قال صاحب الكتاب: وهي سبعةٌ: ظننت وحسبت وخلت وزعمت وعلمت ورأيت ووجدت، إذا كن بمعنى معرفة الشيء على صفة, كقولك: علمت أخاك كريماً، ورأيته جواداً ,ووجدت زيداً ذا الحافظ. تدخل على الجملة من المبتدأ والخبر إذا قصد إمضاؤها على الشك أو اليقين، فتنصب الجزئين على المفعولين وهما على شرائطهما وأحوالهما في أصلهما.
* * *
قال الشارح: اعلم أن هذه الأفعال أفعال غير مؤثّرة ولا واصلةٍ منك إلى غيرك، وإنما هي أُمورٌ تقع في النفس، وتلك الأمُورُ علمٌ وظن وشكّ. فالعلم هو القطع على شيء بنَفْي أو إيجاب، وهذا القطع يكون ضروريًا وعقليًا، فالضروريُ كالمُدرَك بالحواس الخمس، نحوُ:"علمنا بأن السماء فوقنا، والأرض تحتنا، وأنّ الاثنين أكثر من واحد، وأقل من الثلاثة". ويقرب من ذلك الأمُورُ الوِجْدانية كالعلم بالألَم واللذة ونحوِهما. وأمّا العقليّ، فما كان عن دليل من غير مُعارِض، فإن وُجد معارضٌ من دليل آخر، وتَردد النظرُ بينهما على سَواء، فهو شك. وإن رجح أحدُهما، فالراجح ظن، والمرجوح وهْمٌ.
والأفعال الدالة على هذه الأمور سبعةٌ:"علمت"، و"رأيت"، و"وجدت"، و"ظننت"، و"حسبت"، و"خلت"، و"زعمت". فالثلاثةُ الأول متواخية, لأنها بمعنى العلم. والثلاثةُ التي تَلِيها متواخية، لأنها بمعنى الظن. و"زعمت" مفردٌ لأنه يكون عن غير علم وظن والغالبُ عليه القول عن اعتقاد.
والاعتمادُ بهذه الأفعال على المفعول الثاني الذي كان خبرًا للمبتدأ، وذلك أنك إذا قلت:"علمت زيدًا منطلقًا"، فإنما وقع علمُك بانطلاقه إذ كنت عالمًا به من قبلُ، فالمخاطب والمخاطِب في المفعول الأول سواءٌ، وإنما الفائدة في المفعول الثاني كما كان في المبتدأ والخبر الفائدة في الخبر لا في المبتدأ.