للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولك: "خيرٌ من زيدٍ"، وصفٌ لـ"أحدٍ"، المستثنى منه، و"الأبُ" هو المستثنى، وقد تقدّم على الصفة، وأبدلته منه. وإن شئت نصبت، وقلت: "إلّا أباك".

وتقول: "ما مررتُ بأحدٍ إلّا عمرٍو خيرٍ من زيد". فقولك: "خيرٍ من زيد"، نعتُ "أحدٍ"، و"عمرٌو" مخفوضٌ لأنّه بدلٌ منه، وإن شئت نصبت على الاستثناء.

[فصل [تثنية المستثني]]

قال صاحب الكتاب: "وتقول في تثنية المستثنى: ما أتاني إلا زيداً إلا عمراً, وإلا زيداً إلا عمرو, ترفع الذي أسندت إليه, وتنصب الآخر, وليس لك أن ترفعه, لأنك لا تقول: تركوني إلا عمرو. وتقول ما أتاني إلا عمراً إلا بشراً أحد، منصوبين, لأن التقدير: ما أتاني إلا عمراً أحد إلا بشر، على إبدال بشر من أحد, فلما قدمته نصبته.

* * *

قال الشارح: إذا قلت:"ما أتاني إلّا زيدٌ إلّا عمرًا، أو إلّا زيدًا إلّا عمرٌو"، فلا بدّ من رفع أحدهما ونصب الآخر. ولا يجوز رفعُهما جميعًا , ولا نصبُهما، وذلك نظرًا إلى إصلاح اللفظ وتَوْفِيَة ما يستحِقّه، وذلك أنّ المستثنى منه محذوفٌ، والتقديرُ: ما أتاني أحدٌ إلّا زيدًا إلّا عمرًا، لكن لمّا حُذف المستثنى منه، بقي الفعلُ مفرَّغًا بلا فاعل. ولا يجوز إخلاءُ الفعل من فاعلِ في اللفظ، فرُفع أحدهما بأنّه فاعلٌ. ولمّا رفعت أحدهما بأنّه فاعلٌ، لم يجز رفعُ الآخر, لأنّ المرفوع بعد "إلّا" إنّما يُرفَع على أحدِ وجهَيْن: إمّا أنّ يُرفَع بالفعل الذي قبله إذا فُرّغ الفعل، وإمّا أن يُرفَع لأنّه بدلٌ من مرفوع قبله. ولا يسوغ هاهنا وجةٌ من الوجهَيْن المذكورَيْن, لأنّ أحدهما قد ارتفع بالفعل لمّا فُرّع له، ولا يكون بدلًا, لأنّ الثاني ليس الأوّل، ولا بعضًا له، ولا مشتمِلًا عليه مع أنّه ليس المراد أنّ يُثبَت للثاني ما نُفي من الأوّل، فيُبْدَلَ منه، وإنّما المعنى على أنّهما لم يدخلا في نفي الإتيان.

وقوله: "لأنّك لا تقول: "تركوني إلّا عمرٌو" إشارةٌ إلى أنّ الثاني مستثنًى من الأوّل، والأوّلُ موجَبٌ، والمستثنى من الموجب لا يكون مرفوعًا. فإن قيل: كيف استثنيتَه منه، وليس بعضًا له؟ قيل لأنّ زيدًا بعضُ القوم، فجاز الاستثناءُ منه من حيثُ هو بعضٌ، والبعضُ يقع على القليل والكثير، ولم يجز نصبُهما جميعًا؛ لأنّ الفعل لا ينصب مفعولَيْن من غير فاعلٍ، فلمّا امتنع رفعهما معًا ونصبُهما معًا، تَعيَّن رفعُ أحدهما، ونصبُ الآخر. والاسمان جميعًا مستثنيان، فمعناهما في ذلك واحدٌ، وإن اختلف إعرابُهما، وممّا يدلّ على أنهما مستثنيان أنّك لو لم تحذِف المستثنى منه، وقدّمتَهما عليه، لكنت

<<  <  ج: ص:  >  >>