ابن أبي كثير أنّ كاتِبًا لأبي موسى كتب:"إلى عمر بن الخَطّاب مِنْ أبُو مُوسَى"، فكتب إليه عمرُ: إذا أتاك كِتابي هذا فاضْرِبْه سَوْطًا، واعْزِلْه عن عَمَلك، فقوله:"لمّا ضربتَ كاتِبَك" بمعنى "إلّا ضربتَ"، أي: لا أطلُبُ إلّا ضَرْبَه، وقولُه:"عزمتُ عليك" من قَسَم الملوك، وكانوا يُعَظّمون عَزائمَ الأمُراء.
[فصل [حذف المستثني]]
قال صاحب الكتاب:"والمستثنى يحذف وذلك قولهم: "ليس إلا" و"ليس غير"".
* * *
قال الشارح: قد حذفوا المستثنى بعد "إلّا"، و"غَيْر"، وذلك مع "لَيْسَ" خاصّةٌ دون غيرها ممّا يُستثنى به من ألفاظ الجَحْد، لعِلْم المخاطَب بمُرادِ المتكلّم، وذلك قولك:"ليس غيرُ" و"ليس إلّا". والمراد:"ليس إلّا ذاك" و"ليس غير ذاك". ولو قلت بدلَ "لَيْسَ": "لا يكون إلّا" أو "لم يكن غيرُ"، لم يجز. فإِذا قالوا:"ليس إلّا" و"ليس غيرُ"، فإنّهم حذفوا المستثنى منه اكتفاء بمعرفةِ المخاطب، نحوَ:"ما جاءني إلّا زيدٌ"، والمرادُ: ما جاء أحدٌ إلّا زيدٌ. ومثلُ ذلك:"ما منهم إلّا قد قال ذاك"، يريد: ما منهم أحدٌ إلّا قد قال ذاك.
وإذا قلت:"ليس غيرُ"، فاسمُ "ليس" مستتِرٌ فيها على ما تقدّم، و"غَيْرُ" الخبرُ، وهي منتصبةٌ، وإنّما لمّا حُذف منها ما أُضيفت إليه، وقُطعت عن الإضافة، بُنيت على الضمّ تشبيهًا بالغايات، وقال أبو الحسن الأخفشُ: إذا أضفتَ "غيرًا"، فقلت:"غيرك"، أو"غير ذاك"، جاز فيه وجهان: الرفعُ، والنصبُ. تقول:"جاءني زيدٌ ليس غيرُه وليس غيرَه"، فإذا رفع، فعلى أنَّه اسمُ "ليس" وأضمر الخبرَ، كأنّه قال "ليس غيرُه صحيحًا". وإذا نصب، فعلى أنّه الخبرُ، وأضمر الاسمَ كأنَّه قال:"ليس الجائي، أو ليس الأمرُ غيرَه". وإذا لم يُضِفْها، أجاز في "غير" الفتحَ، والضمَّ، وشبَّهها بباب "تَيْمَ تَيْمَ عَدِيّ"، وزعم أنّ "تيم" الأوّل قد حُذف منه المضاف إليه، وبقي على لفظِ ماَ هو مضافٌ من غيرِ تنوين إذ كانت الإضافةُ منويّة فيه. وقد أجاز بعضُهم تنوينَ "غير"، إذا حذفتَ منها المضاف إليه، نَظَرًا إلى اللفظ كما يُنوَّن "كُلٌّ" و"بعضٌ" إذا لم يُضافا، وإن كانت الإضافةُ فيهما منويّة مرادة من نحو قوله تعالى:{وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}(١)، ونحو ذلك.