للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثله ما لم يُوجَد عنه مندوحةٌ، ويجوز أنّ يكون متّصلًا من وجهٍ آخر، وذلك أن يكون "مَن رَحِمَ" هو اللهَ تعالى, لأنه هو الراحم، والمعنى: لا يعصِم من أمر الله إلّا اللهُ.

ومن ذلك ما حكاه سيبويه (١) عن أبي الخَطّاب: "ما زاد إلَّا ما نقص، وما نفع إِلا ما ضرّ"، فَـ "ما" الأوُلى نافيةٌ، و"مَا" الثانية مع الفعل بعدها في موضع مصدرٍ منصوبٍ، وفي"زَادَ" ضميرٌ يعود إلى مذكورٍ, وكذلك في "نَفَعَ". والمعنى ما زاد النَّهْرُ إلّا النُقْصانَ، وما نفع زيدٌ إلا الضُّرَّ، أقام النقصانَ مُقامَ الزيادة، والضرَّ مقامَ النفع، كما يُقال: "الجُوعُ زادُ مَن لا زادَ له". فهذا وأشباهُه لا يجوز في المستثنى فيه إلَّا النصبُ على لغةِ بني تميم وغيرِهم، لتعذّر البدل، إذ لا يمكن فمه تقديرُ حذفِ الاسم الأوّل، وإيقاعُ المستثنى موقعَه، كما أمكن ذلك إذا قلت: "ما فيها أحدٌ إلّا حمارٌ"، فلا يُقال: "لا اليومَ مِن أمر الله إلّا مَن رحم"، وكذلك إذا رددتَ المحذوفَ الذي هو خبرُ "عاصم" لم يجز أيضًا. لو قُلْت: في "لا عاصم لهم اليومَ من أمر الله إلّا من رحم": "لا لهم اليومَ من أمر الله إلّا من رحم"، لم يجز البدلُ، وذلك لأنّه يبقى الجارُّ والمجرور الذي هو الخبر بلا مخبَرٍ عنه، وذلك لا يجوز، ولا معنَى لذلك، والنكْتَة فيه أنّ الاستثناء من الجنس تخصيصٌ، وفي هذا الباب استدراكٌ، فاعرفه.

* * *

[[المستثني الذي يجوز فيه النصب والبدل]]

قال صاحب الكتاب: "والثاني جائز فيه النصب والبدل وهو المستثنى من كلام تام غير موجب كقولك: "ما جاءني أحد إلا زيداً وإلا زيد", وكذلك إذا كان المستثنى منه منصوباً أو مجروراً, والاختيار البدل قال الله تعالى: {ما فعلوه إلا قليل} (٢) , وأما قوله عز وجل: {إلا أمرأتك} (٣) فيمن قرأ بالنصب فمستثنى من قوله تعالى: {فأسر بأهلك} " (٤).

* * *

قال الشارح: قوله: "الثاني"، يريد النوعَ الثانِيَ من القِسْمة الأولى، وهي الأنواعُ الخمسةُ. وهذا المستثنى من كلّ كلام غيرِ موجب تامّ. وغيرُ الموجب ما كان فيه حرفٌ نافٍ، أو استفهامٌ، أو نهىٌ، نحوُ قولك: "ما جاءني من أحدٍ إلّا زيدًا"، و"لا يقمْ أحدٌ إلّا زيدٌ"، فهذا يجوز في المستثنى فيه النصبُ والبدلُ. أمّا النصبُ فعلى أصل الاستثناء على ما تقدّم، وأمّا البدلُ - وهو الوجهُ - فعلى أنّ تجعل "زيدًا" بدلًا من "أحد"، فيصير


(١) الكتاب ٢/ ٣٢٦.
(٢) النساء: ٦٦.
(٣) هود: ٨١. وقراءة النصب هي قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وغيرهم بالرفع. انظر: البحر المحيط ٥/ ٢٤٨؛ وتفسير الطبري ١٢/ ٥٤؛ والكشاف ٢/ ٢٨٤؛ وتفسير القرطبي ٩/ ٨٠؛ ومعجم القراءات القرآنية ٣/ ١٢٨.
(٤) هود:٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>