للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكون "أما" بمعنَى "حَقّا"، فتفتح "أن" بعدها، تقول: "أما أنه قائمٌ". ولا تكون هاهنا حرفَ ابتداء، ولكنها في تأويل الاسم. وذلك الاسم مقدرُ، وتُقدُر النظرف، أي: أفي حق أنّك قائمٌ، وتكون "أن" وما بعدها في موضعِ رفع بالظرف عند أبي الحسن، وعند سيبويه في موضعِ مبتدأ في هذا الموضع، فاعرفه.

[فصل [دخول "ها" علي أسماء الإشارة والضمائر]]

قال صاحب الكتاب: وأكثر ما تدخل "ها" على أسماء الإشارة والضمائر, كقولك: "هذا", و"هذه", و"ها أنا ذا", و"ها هو ذا", و"ها أنت ذا" و"ها هي ذه", وما أشبه ذلك.

* * *

قال الشارح: قد تقدم أن "ها" لتنبيه المخاطب على ما بعدها من الأسماء المبهمة لينتبه لها، وتصير عنده بمنزلة الأسماء الظاهرة، وذلك لأنّها مبهمةٌ لوقوعها على كل شيء من حيوان وجَماد، فافتقرت إلى تنبيه المخاطب لها، كما افتقرت إلى الصفة. وقال الرُّماني: إنما كثُر التنبيه في هذَا ونحوه من حيث كان يصلح لكل حاضر، والمراد واحدٌ بعيمه، فقوي بالتنبيه لتحريك النفس على طَلَبه بعينه، إذ لم تكن علامةُ تعريف في لفظه، وليس كذلك "أنْتَ"؛ لأنه للمخاطب خاصّةً لاشتماله على حرف الخطاب.

فإن قيل: فأنت قد تقول: "ها هو ذا"، وليس فيه علامة تعريف، قيل: تقدمُ الظاهر الذي يعود إليه هذا الضمير بمنزلة أداة التعريف، فلذلك تقول: "هذَا" فيها تنبيهُ، أي: انظر، وانتبهْ. وهي تُستعمل للقريب، و"ذا" إشارة إلى مذكّر، و"ذهِ" إشارة إلى مؤنث. وليست الهاء في "ذه" بمنزلة الهاء في "طلحةَ"، و"قائمة"، وإنما هي بدل من ياء "هذِي". والذي يدل أن الياء أصل قولك في تصغيرِ و"ذا" الذي للمذكر؛ "ذَي". و"ذِي، تأنيث "ذَا" من لفظه، فكما أن الهاء لا حَظ لها في المذكر، فكذلك هي في المؤئث.

وإنما دخلت هاء التنبيه على المضمر لِما بينهما من المشابهة، وذلك أن كل واحد منهما ليس باسم للمسمّى لازم له، وإنما هو على سبيل الكناية، على أن أبا العباس المبرد قال: علاماتُ الإضمار كَلّها مبهمة إذ كانت واقعة على كل شيء، والمبهمُ على ضربَين، فمنه ما يقع مضمرًا، ومنه ما يقع غيرَ مضمر. وقال علي بن عيسى: المبهم من الأسماء ما افتقر في البيان عن معناه إلى غيره، فتقول: "ها أنا ذا"، فـ "ها" داخلة عند سيبويه على المضمر الذي هو"أنا" لِما ذكرناه من شَبَهه بالمبهم، وعند الخليل أنه داخل على المبهم تقديرًا، والتقديرُ: ها ذا أنا (١)، فأوقعوا "أنا" بين التنبيه والمبهم، وهذا إنما


(١) انظر: الكتاب ٢/ ٣٥٣ - ٣٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>