فصل [أولوِية المفعول به في النيابة عن الفاعل على سائر ما بُني له الفعل]
قال صاحب الكتاب: وللمفعول به المتعدي إليه بغير حرف من الفضل على سائر ما بني له أنه متى ظفر به في الكلام, فممتنع أن يسند إلى غيره، تقول:"دُفع المال إلى زيد"، و"بُلغ بعطائك خمسمائة" برفع المال وخمس المائة. ولو ذهبت تنصبهما مسنداً إلى زيد وبعطائك قائلاً دفع إلى زيد المال وبلغ لعطائك خمسمائة، كما تقول منح زيد المال وبلغ عطاؤك خمسمائة، خرجت عن كلام العرب.
* * *
قال الشارح: الفعل المتعدّي إنما جيء به للحديث عن الفاعل والمفعول، فهو حديث عن الفاعل بان الفعل صدر عنه، وعن المفعول بأن الفعل وقع به، إلّا أنه حديثٌ عن الفاعل على سبيل اللزوم وعدمِ الاستغناء عنه، وعن المفعول على سبيل الفضلة. فإذا أُريد الاقتصار على الفاعل منه، حُذف المفعول، لأنه فضلة، فلم يُحْتَج إلى إقامة شيء مقامه. ومتى أُريد الاقتصار على المفعول، حذف الفاعل، وبقي الفعل حديثًا عن المفعول به لا غير، فوجب تغييرُه وإقامته مقام الفاعل، لئلا يخلو الفعل من لفظِ فاعل على ما تقدّم، فلكَوْن الفعل حديثًا عن المفعول به في الأصل متى ظُفر به، وكان موجودًا في الكلام؛ لم يقم مقام الفاعل سواه ممّا يجوز أن يقوم مقام الفاعل عند عدمه من نحو المصدر والظرف من الزمان والمكان, لأنّ الفعل صيغ له، وما تُقيمه مقام الفاعل غيرَه، فإنما ذلك على جَعْله مفعولًا به على السعة على ما تقدّم.
وقوله:"المتعدى إليه بغير حرف جرّ" تَحرّز به مما يتعدّى إليه بحرف الجرّ، نحوِ:"سرت بزيد"، فإن الجارّ والمجرور هنا متعلق بالفعل تعلقَ المفعول به بالفعل. فإذا انفرد، أقيم مقام الفاعل على ما ذكرنا، فإن اجتمع معه مفعول صحيح، لم يقم مقام الفاعل سواه, لأنّ الفعل وصل إليه بغير واسطة، فكان تعدّي الفعل إليه أقوى، فإذا قلت:"دفعتُ المالَ إلى زيد"، فـ "المال" مفعول به صحيحٌ، والجارّ والمجرور في موضع المفعول به أيضًا، فلذلك تلزم إقامةُ المفعول الصحيح مقام الفاعل.
فتقول:"دُفع المالُ إلى زيد"، فترفع "المال" لإقامتك إياه مقام الفاعل، والجارُ والمجرور في موضع نصب، فبقي على حاله. وكذلك تقول:"بَلَغَ الأميرُ بعَطائك خمسَ مائة"، فـ "خمس مئة" مفعول صحيح، والجارُّ والمجرور متأوَّلٌ، فإذا بنيته لما لم يسمّ فاعله، لم يقم مقام الفاعل إلّا المفعول الصحيح. فتقول:"بُلغ بعطائك خمسُ مائة" برفع "خمس مائة" لا غير. ولو عكست، وأقمت الجارّ والمجرور مقام الفاعل، ونصبت المفعول الصحيح، فقلت:"دُفع إلى زيد المالَ" بنصب "المال" وإقامة الجارّ والمجرور