للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما اختصّ التعجّب بلفظ الماضي، لأن التعجّب مدحٌ، ولا يُمْدَح الإنسان إلَّا بما ثبت فيه، وعُرف به، فاعرفه.

فصل [زيادة "كان" في التعجب للدلالة علي المضيّ]

قال صاحب الكتاب: ويقال: "ما أحسن زيداً" للدلالة على المضي, وقد حكي "ما أصبح أبردها", و"ما أمسى أدفأها" والضمير للغداة.

* * *

قال الشارح: اعلم أنه قد تدخل "كانَ" في باب التعجّب زائدةً على معنى إلغائها عن العمل وإرادةِ معناها، وهو الدلالةُ على الزمان، وذلك نحو قولك: "ما كان أحسن زيدًا! " إذا أُريد أن الحسن كان فيما مضى. فـ "ما" مبتدأةٌ على ما كانت عليه، و"أحسن زيدًا" الخبر، و"كانَ" ملغاةٌ عن العمل مفيدةٌ للزمان الماضي، كما تقول: "من كان ضرب زيدًا؟ " تريد: "من ضرب زيدًا؟ " و"من كان يُكلِّمك؟ " تريد: "من يكلِّمك؟ " فـ "كانَ" تدخل في هذه المواضع، وإن أُلغيت من الإعراب، فمعناها باقٍ، وهي ها هنا نظيرةُ "ظننتُ" إذا أُلغيت، فإنه يُبطَل عملها، ومعنى الظنّ باقٍ. وذلك أن الزيادة على ضربَيْن: زيادةٌ مُبْطَلةُ العمل مع بقاء المعنى على ما ذكرناه، وزيادةٌ لا يُراد بها أكثر من التأكيد في المعنى، وإن كان العمل باقيًا، نحوُ: "ما جاءني من أحدٍ"، والمراد: ما جاءني أحدٌ. ومثله قولهم: "بحَسبك زيدٌ"، والمراد: حَسْبُك، و {وَكَفَى بِاللهِ} (١) والمراد: كفى الله. وكان السيرافيّ يذهب إلى جوازِ أن تكون "كانَ" ها هنا غير زائدة، وتكون خبرَ "ما"، وفيها ضميرٌ من "ما"، و"أحسن زيدًا" خبرُ "كانَ". وقد حكاه الزجّاجيّ، وفيه بُعدٌ؛ لأن فعل التعجّب لا يكون إلَّا "أفْعَلَ" منقولًا من "فَعَلَ"، فجَعْلُه على غير هذا البناء عديمُ النظير.

وقد قالوا: "ما أحسن ما كان زيدٌ! " ترفع "زيدًا" هنا لا غير، و"كانَ" تامّةٌ هنا. و"زيدٌ" فاعلٌ، و"ما"، مع الفعل مصدرٌ، والتقدير: "ما أحسنَ كونَ زيد! " وجاز التعجّبُ من الكون، وهو في الحقيقة لزيدٍ, لأنّ كونه ملتبسٌ به، ألا ترى إلى قول الشاعر [من الطويل]:

١٠٥٥ - [وتَشرُقُ بالقولِ الذي قد أذَعْتَهُ] ... كما شَرِقَتْ صدرُ القَناةِ من الدَّمِ


(١) النساء: ٦، وغيرها كثير.
١٠٥٥ - التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص ١٧٣؛ والأزهية ص ٢٣٨؛ والأشباه والنظائر ٥/ ٢٥٥؛ وخزانة الأدب ٥/ ١٠٦؛ والدرر ٥/ ١٩؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٥٤؛ والكتاب ١/ ٥٢؛ ولسان العرب ٤/ ٤٤٦ (صدر)، ١٠/ ١٧٨ (شرق)؛ والمقاصد النحوية ٣/ ٣٧٨؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ١٠٥؛ والخصائص ٢/ ٤١٧؛ والمقتضب ٤/ ١٩٧، ١٩٩؛ وهمع الهوامع ٢/ ٤٩.
اللغة: شرق: غصَّ. القناة: الرمح. أذاع: فضح وأفشى.
المعنى: إنك غير مستودع للسر، كالرمح لا يستطيع حفظ الدماء التي عليه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>