للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا دخولها على الماضي، فإنّ الأكثر أن تدخل مع "قَدْ"، وذلك أنّ أصل هذه اللام الابتداءُ، ولامُ الابتداء لا تدخل على الماضي المحض، فأُتي بـ "قَدْ" معها؛ لأنّ "قَدْ" تُقرِّب من الحال. والذي حسّن دخولها على الماضي دخولُ معنى الجواب فيها. والجوابُ كما يكون بالماضي، كذلك يكون بالمستقبل، فجوازُ دخولها على لفظ الماضي لِما مازَجَها من معنى الجواب، ودخولُ "قَدْ" معها قَضاءٌ من حقّ الابتداء، وذلك نحو قولك: "واللهِ لقد قمتُ". قال الله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} (١). وربّما حُذفت اللام، نحوَ قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (٢)، أي: لَقد أفلح، وربّما حُذفت "قد". قال الشاعر [من الطويل]:

حلفت لها واللهِ ... إلخ

أي: والله لقد ناموا، فاعرفه.

فصل [اللام المُوطِّئة للقَسَم]

قال صاحب الكتاب: والموطئة للقسم هي التي في قولك: "والله لئن أكرمتني لأكرمنك".

* * *

قال الشارح: هذه اللام يسمّيها بعضهم لامَ الشرط؛ لدخولها على حرف الشرط. وبعضُهم يسمّيها الموَطِّئة؛ لأنّها يَتعقّبها جوابُ القسم، كأنّها توطئةٌ لذكر الجواب، وليست جوابًا للقسم، وإن كان ذلك أصلَها, لأنّ القسم لا يجاب بالشرط كما لا يجاب بالقسم؛ لأن الشرط يجري مجرى القسم لِما بينهما من المناسبة من جهةِ احتياج كلّ واحد منهما إلى جواب. والقسمُ وجوابه جملتان تَلازمتا، فكانتا كالجملة الواحدة، كما أنّ الشرط وجوابه كالجملة الواحدة. ولذلك قد تُسمّي الفقهاءُ التعليقَ على شرط يَمِينًا، وقد سمى الإِمام محمّد بن الحسن الشَّيبانيّ كتابًا له "كتابَ الأيْمان"، وإن كان مُعْظَمه تعليقًا على شرط، نحوَ: "إن دخلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ"، و"إن أكلتِ أو شربتِ فأنتِ طالقٌ"، ونحوِ ذلك، وذلك قولك: "واللهِ لئنّ أكرمتَني لأكرِمَنَّك"، فاللام الأوُلى مؤكّدةٌ وَطْأةٌ للجواب، والجوابُ "لأكرمنّك"، وهو جوابُ القسم. والشرط مُلْغى لا عملَ له؛ لأنّك صدّرتَ بالقسم، وتركتَ الشرط حشوًا.

وإذا اجتمع الجزاءُ والقسمُ؛ فأيّهما سبق الآخرَ وتَصدّر، كان الجواب له. مثالُ تصدّر الشرط قولك: "إن تَقُمْ واللهِ أقُمْ"، جزمتَ الجوابَ بحرف الجزاء لتصدُّره، وألغيتَ القسمَ لأنّه حشوٌ. ومثالُ تصدُّر القسم قولك: "واللهِ لَئِنْ أتيتَني لأتيتُك"، فاللامُ


(١) يوسف:٩١.
(٢) الشمس:٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>