للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقع الجُمَلُ موقعَ هذه الأشياء بعد "إلّا" كما تقع موقعَها في غير الاستثناء، فتقول: "ما زيدٌ إلّا أبوه منطلقٌ"، فـ "أبوه منطلقٌ" جملةٌ من مبتدأ وخبر في موضع خبر المبتدأ الأوّلِ الذي هو "زيدٌ". وتقول في الصفة: "ما مررت بأحدٍ إلّا زيدٌ خيرٌ منه". فقولك: "زيدٌ خيرٌ منه" جملة من مبتدأ وخبر في موضع مخفوضٍ، نعتٍ لـ "أحدٍ"، كأنّك قلت: "مررت بقوم زيدٌ خيرٌ منهمِ". وأفادت "إلّا" انتفاءَ مُرورك بغيرِ مَن هذه صفتُهم. وتقول في الجملة إذا وقعت حالًا: "ما مررتُ بزيدٍ إلّا أبوه قائمٌ"، و"ما مررت بالقوم إلّا زيد خيرٌ منهم"، فالجملةُ في موضع الحال لوقوعها بعد معرفةٍ. وقد يجوز في قولك: "ما مررت بأحدٍ إلّا زيدٌ خيرٌ منه" أنّ تكون الجملةُ في موضع الحال أيضًا, لأنّ الحال من النكرة جائزٌ، وإن كان ضعيفًا. ويجوز أنّ تدخل عليه الواوُ، فتقول: مامررت بأحدٍ وزيدٌ خيرٌ منه"، و"ما كلّمتُ أحدًا إلّا وزيدٌ حاضرٌ"، فـ "زيد حاضر" في موضح الحال. ولا يجوز حذفُ الواو من هاهنا كما جاز حذفُها من الأوّل، لخُلُوَّ الجملة من العائد الرابِط. وإنّما الواوُ هي الرابطةُ، وليس الأوّلُ كذلك, لأن فيه ضميرًا رابطًا. فإن أتيت بالواو، كان تأكيدًا للارتباط، وإن لم تأتِ بها فالضميرُ كافٍ.

ولا تقع الجملةِ في هذه المواضع إلّا أنّ تكون اسميّة من مبتدأ وخبر، ولا تكون فعليّة, لأنّ "إلَّا" موضوعة لإخراج بعض من كل، فإذا تقدّم "إلّا" الاسمُ، فلا يكون بعدها إلّا الاسمُ لانّهما جنسٌ واحدٌ، فيصحُّ أنّ يكون بعضًا له. فلو قلت: "ما زيدٌ إلّا قَامَ" على أنّ تجعل "قام" خبرًا، و"ما أتاني أحدٌ إلّا قام أخوه " ونحو ذلك، لم يجز لما ذكرتُ لك، ولو قلت: "ما زيدٌ إلّا يقوم"، أو"ما أتاني أحدٌ إلّا يضحَك"، لكان جيّدًا، لأنّ الفعل المضارع مشابةٌ للاسم، فكان له حكمُه.

وقوله: و"إلّا" لَغْوٌ في اللفظ، مُعْطِيةٌ في المعنى فائدتَها، جاعلةٌ "زيدًا" خيرًا من جميعِ من مررتَ بهم، يعني أنّه ليس في اللفظ مستثنى منه، وإنّما معك في "ما زيدٌ إلّا قائمٌ " مبتدأٌ وخبرٌ. وفي قولك: "ما مررت بأحدٍ إلّا زيدٌ خيرٌ منه" صفةٌ وموصوفٌ، أو حالٌ وذو حالٍ، فجرى مجرى العامل المفرَّغِ للعمل من نحو: "ما قام إلّا زيدٌ"، و"ما ضربتُ إلّا زيدًا" من حيثُ إنّ ما قبل "إلّا" يقتضي ما بعدها اقتضاءً لا يتِمّ المعنى إلّا به، إلّا أنها من جهةِ المعنى تُفيد الاستثناء من حيثُ جعلتَ "زيدًا" خيرًا من جميعِ ما مررت به في قولك: "ما مررت بأحدٍ إلّا زيدٌ خيرٌ منه"، ونفيتَ "زيدًا" أنّ يكون شيئًا إلّا قائمًا في قولك: "ما زيدٌ إلا قائمٌ".

[فصل [وقوع الفعل محل الاسم المستثني]]

قال صاحب الكتاب: "وقد أوقع الفعل موقع الاسم المستثنى في قولهم: "نشدتك بالله إلا فعلت". والمعنى: ما أطلب منك إلا فعلك. وكذلك "أقسمت عليك إلا فعلت".

<<  <  ج: ص:  >  >>