قال صاحب الكتاب: ومنها أنك تجمع فيها بين ضميري الفاعل والمفعول فتقول علمتني منطلقًا، ووجدتك فعلت كذا، ورآه عظيمًا.
قال الشارح: اعلم أن الأفعال المؤثرة إذا أوقعها الفاعل بنفسه، لم يجز أن يتعدّي فعلُ ضميره المتّصل إلى ضميره المتّصل، فلا يُقال:"ضربتُني"، ويكون الضميران للمتكلّم، ولا "ضربتَك"، ويكون الضميران للمخاطب، ولا نحوُ ذلك. فإذا أرادوا شيئًا من ذلك، قالوا:"ضربتُ نفسي"، و"أكرمتُ نفسي"، ونحوَ ذلك.
وإنّما امتنع ذلك؛ لأنّ الغالب من الفاعلين إيقاعُ الفعل بغيرهم، وأفعالُ النفس هي الأفعال التي لا تتعدّى، نحوُ:"قام زيدٌ"، و"جلس بكرٌ"، و"ظرُف محمّدٌ"، ونحوِ ذلك. فإذا اتّحد الضميران، فقد اتّحد الفاعل والمفعول من كلّ وجه. وكان أبو العبّاس يحتجّ لذلك بأن الفاعل بالكلّية لا يكون المفعول بالكلّيّة. وهذا معنى قولنا: لأنه لا بدّ من مغايَرة ما؛ ألا ترى أنه يجوز "ما ضربني إلا أنا"؛ لأنّ الضميرَيْن قد اختلفا من جهةِ أن أحدهما متصلٌ، والآخر منفصلٌ، فلم يتّحدا من كل وجه؟
قال الزجّاج: استغنوا عن "ضربتُني" بـ"ضربتُ نفسي"، كما استغنوابـ "كِلَيْهما" عن تثنيةِ "أجْمَعَ"، فلَم يقولوا:"قام الزيدان أجمعان"، وإن كانوا قد جمعوه، فقالوا:"قام القوم أجمعون". كذلك لم يقولوا:"ضربتُني". استغنوا عنه بـ"ضربتُ نفسي"؛ لأن النفس كغيره ألا ترى أن الإنسان قد يخاطب نفسه، فيقول:"يا نفسُ لا تفعلي"(١) كما يخاطب الأجنبى؟ فكان قوله:"ضربتُ نفسي" بمنزلةِ "ضربتُ غلامي".
وأما أفعال القلب التي هي "ظننت" وأخواتها، فإنه يجوز ذلك فيها، ويحسن، فيتعدّى ضمير الفاعل فيها إلى ضمير المفعول الأول دون الثاني، فتقول:"ظننتُني عالمًا"، و"حسبتَك غنيًا". وذلك لأنّ تأثير هذه الأفعال إنما هو في المفعول الثاني، ألا ترى أن الظنّ والعلم إنما يتعلّقان بالثاني, لأنّ الشك وقع فيه، والأوّلُ كان معروفًا عنده، فصار ذكرُه كاللغْو؟ فلذلك جاز أن يتعدّي ضمير الأوّل إلى الثاني؛ لأنّ الأول كالمعدوم، والتعدّي في الحقيقة إلى الثاني.
وقوله: و"رَآهُ عظيمًا" في المثال، يريد إذا كان المفعول الأوّل هو الفاعل المضمر في "رَأى"، فاعرفه.
(١) في الطبعتين: "تفعلين"، وهذا خطأ، وقد صوّبته طبعة ليزع في ذيل التصحيحات ص ١٤٩٧.