للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فُتحن، غيرَ أنه لما كانت اللام هنا من عوامل الأفعال الجازمةِ، والجزمُ في الأفعال نظيرُ الجرّ في الأسماء، حُملت في الكسر على حروف الجرّ، نحو اللام والباء في قولك: "لزيدٍ"، و"بزيدٍ". وحكى الفرّاء أن بعض العرب يفتحها.

وقد تسكن هذه اللامُ تخفيفًا إذا تقدّمها واوُ العطف أو فاؤه، وذلك من قبل أن الواو والفاء لما كانا مفردين لا يمكن انفصالُهما مما بعدهما, ولا الوقوفُ عليهما، صارتا كبعض ما دخلتا عليه، فشُبّهت حينئذ اللامُ بالخاء في "فَخْذ" والباء في "كَبدٍ"، فكما يُقال: "فَخذ"، و"كَبْدٌ"، كذلك يقال: "وَلْيَقُم زيدٌ". قال الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (١). فأما قراءةُ الكسائي: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (٢) {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} (٣)، فضعيفةٌ عند أصحابنا, لأن "ثُم" حرفٌ على ثلاثة أحرف يمكن الوقوفُ عليه، فلو أسكنتَ ما بعده من اللام، لكنت إذا وقفتَ عليه تبتدىء بساكنٍ، وذلك لا يجوز.

واعلم أن هذه اللام لا يجوز حذفُها وبقاءُ عملها إلَّا في ضرورةِ شاعر. أنشد أبو زيد في نوادره [من الطويل]:

وتُمسِى صَرِيعًا لا تَقُومُ لحاجةٍ ... ولا تسمَعُ الداعي ويُسْمِعكَ مَن دَعَا (٤)

أراد: وليسمعك، فحذف اللام، وعملُها باقٍ. وأنشد سيبويه [من الوافر]:

محمَّد تفد نفسك ... إلخ

أراد لِتَفدِ، وإنما لم يجز حذفُ هذه اللام في الكلام؛ لأنّها جازمة، فهي في الأفعال نظيرةُ حروف الجر في عوامل الأسماء، فكما لا يسوغ حذفُ حرف الجر وإعمالُه في الأكثر، لم يجز ذلك في الأفعال؛ لأن عوامل الأفعال أضعفُ من عوامل الأسماء؛ لأن إعراب الأفعال إنما كان بطريق الحمل على الأسماء، فهي في الإعراب أضعفُ منها. هذا قولُ أكثرِ النحويين، قال أبو العباس محمد بن يزيد: ولا أراه على ما قالوا؛ لأن عوامل الأفعال لا تُضْمَر، ولا سيما الجازمةُ؛ لأنّها في الأفعال كالجارّ في الأسماء، وحروفُ الجرّ لا تضمر، لْوجب أن يكون كذلك في الأفعال، فاعرفه.

[فصل [لام الابتداء]]

قال صاحب الكتاب: ولامُ الابتداء هي اللام المفتوحة في قولك: "لَزيدٌ منطلقٌ".


(١) الحج: ٢٩.
(٢) الحج: ٢٩. وهذه القراءة لم أقع عليها في معجم القراءات القرآنية.
(٣) الحج: ١٥. وهذه القراءة لم أقع عليها في معجم القراءات القرآنية.
(٤) تقدم بالرقم ٩٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>