للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: يجوز حذفُ همزة الاستفهام في ضرورة الشعر، وذلك إذا كان في اللفظ ما يدلّ عليه. ومنه قول عمر بن أبي رَبِيعة [من الطويل]:

بَدا لِيَ منها مِعصَمٌ يَومَ جَمرَت ... وَكَفٌّ خَضِيبٌ زُيِّنَت ببَنانِ

فلمّا التقينا بالثَّنِيَّة سَلَّمَت ... ونازَعَني البَغلُ اللَّعِينُ عِنانِي

فواللهِ ما أدري دمان كنتُ داريًا ... بسَبع رَمَينَ الجَمْرَ أم بثمانِ؟

والمراد: أبسبع. دل على ذلك قوله: "أم بثمان". و"أمْ" عديلةُ الهمزة، ولم يرد المنقطعةَ، لأنّ المعنى على: ما أدري أيُّهما كان منها، فاعرفه.

فصل [تصدُّر الاستفهام]

قال صاحب الكتاب: وللاستفهام صدر الكلام. لا يجوز تقديم شيء مما في حيزه عليه. لا تقول: "ضربت أزيداً", وما أشبه ذلك.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم أنّ الاستفهام له صدرُ الكلام من قِبَل أنّه حرفٌ دخل على جملة تامّة خبريّة، فنقلها من الخبر إلى الاستخبار، فوجب أن يكون متقدّمًا عليها؛ ليفيد ذلك المعنى فيها، كما كانت "ما" النافيةُ كذلك، حيث دخلت على جملة إيجابية، فنقلت معناها إلى السلب. فكما لا يتقدّم على "ما" ما كان من جملة المنفيّ، كذلك لا يتقدّم على الهمزة شيء من الجملة المستفهَم عنها، فلا تقول: "ضربتَ أزيدًا". هكذا مثّله صاحبُ الكتاب، والجيدُ أن تقول: "زيدًا أضربتَ؟ " فتُقدِّم المعمول على الهمزة؛ لأنّك إذا قدّمتَ شيئًا من الجملة. خرج عن حكم الاستفهام، ومن تمام الجملة.

وقوله: "ما كان في حيّزها" يريد ما كان متعلّقًا بالاستفهام ومن تمام الجملة. ومنه قولهم: "حَيزُ الدار"، وهو ما يُضَمّ إليها من مَرافقها، فاعرفه.


= (أدري): فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. "وإن": الواو: حالية، و"إن": حرف زاند. "كنت": فعل ماضٍ ناقص، والتاء: ضمر متصل مبنيّ في محل رفع اسم "كان". "داريًا": خبر "كان" منصوب. "بسبع": جار ومجرور متعلّقان بـ "رمين". "رمين": فعل ماضٍ، والنون: ضمير متصل مبنيّ في محل رفع فاعل. "الجمر": مفعول به منصوب. "أم": حرف عطف. "بثمان": جار ومجرور متعلّقان بـ "رمين".
وجملة القسم "عمرك ... ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أدري": جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة "إن كنت داريًا": في محل نصب حال. وجملة "رمين": سدت مسدّ مفعولي "أدري".
والشاهد فيه قوله:"بسبع ... أم بثمان" حيث حذف الهمزة لوجود قرينة دالة على معناها، وتقدير الكلام: "أبسبع".

<<  <  ج: ص:  >  >>