للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد: "اشْعَالَّ"، وهو كثيرٌ. قال أبو العبّاس: قلتُ لأبي عُثْمان: أَتَقِيسُ ذلك؟ قال لا, ولا أقبلُه. وقوله: "ولقد جدّ في الهرب" يريد بالَغَ في الفرار من التقاء الساكنين؛ لأنّه قلب الحرفَ الذي لا يمكن تحريكُه، إلى حرفٍ يمكن تحريكُه، ثمّ حرَّكَ. وعمرو بن عُبَيْد كان من رؤساء المُعتَزِلة، كان فصيحًا عفيفًا، وهو الذي قيل فيه [من مجزوء الرمل]:

كُلُّكُمْ يَمْشِي رُوَيدْ

كُلُّكُمْ يَطلُبُ صَيْدْ

غيرَ عَمْرِو بنِ عُبَيْدْ (١)

وقوله: "ومَنْ لغتُه النَّقُرْ" في الوقف على "النَّقْر" يريد أنّ من يُحوِّل الحركة في نحو: "هذا النَّقْر"، و"عَمْرُو"، و"البَكْرُ" من اللام إلى العين، يفرّ من التقاء الساكنين، وإن كان جائزًا، كما يفرّ منه في {وَلاَ الضَأَلِّينَ} (٢)، و"ابْيَأَضَّ" و"ادْهَأمَّ" فاعرفه.

فصل [تحريك نون "مِنْ" و"عَنْ" إذا تلاها ساكن]

قال صاحب الكتاب: وكسروا نون "من" عند ملاقاتها كل ساكن سوى لام التعريف, فهي عندها مفتوحة. تقول: "من ابنك", و"من الرجل". وقد حكى سيبويه (٣) عن قوم فصحاء: "من ابنك" بالفتح, وحكي في "من الرجل" الكسر، وهي قليلة خبيثة. وأما نون "عن" فمكسورة في الموضعين. وقد حكي عن الأخفش: "عن الرجل" بالضم.

* * *

قال الشارح: أمّا نونُ "مِنْ"، فحكمُها الكسر على ما يقتضيه القياسُ، فتقول: "أخذتُ مِنِ ابنك"، و"مِنِ امْرئ القيس"، و"منِ اثْنين غيرَ أنّهم قالوا: "مِنَ الرجل"، و"مِنَ الله"، و"مِنَ الرسول"، ففتحوا مع لام المعرفة، وعدلوا عن قياس نظائره. وذلك لأنّه كثُر في كلامهم هذا الحرفُ، وما فيه الألف واللام من الأسماء كثيرٌ, لأن الألف واللام تدخلان على كلّ منكور، فكرهوا كسرَ النون مع كسرة الميم قبلها، فتتوالى كسرتان مع الثقل، فعدلوا إلى أخفّ الحركات، وهي الفتحة.

وممّا يؤيّد عندك أنّ الكسرة لها أثرٌ فيما ذكرناه، أنّهم كسروا ما لم يكثر ممّا هو على صورته، كقولك: "إنِ اللهُ أمكنني من فلان فعلت"، و"عِدِ الرجلَ"، و"صِلِ ابْنَك"،


(١) لم أقع على هذا الشعر فيما عدت إليه من مصادر.
(٢) الفاتحة: ٧.
(٣) الكتاب ٤/ ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>