للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتمد، ويكون التقدير: وينزّل من السماء جبالًا، أي: أمثالَ الجبال فيها بردٌ. ويجوز أن يكون "برد" مبتدأ، و"قِيها" الخبر، والجمله في موضع الصفة.

وأمّا الوجه الثاني: فأن يكون موضعُ "مِن" الثانيةِ نصبًا على الظرف، وتكون الثالثة زائدة في موضع نصب على المفعول به، أي: وينزّل من السماء من جبالٍ فيها بردًا.

والوجه الثالث: أن تكون "مِن" الأُولى لابتداء الغاية، والثانية نصبًا على الظرف، والثالثة لبيان الجنس، وفي ذلك دلالةٌ على أن في السماء جبالَ برد، وكأنّه على هذا التأويل ذكر المكانَ الذي يُنزِّل منه، ولم يذكر المُنَزَّلَ للدلالة عليه، ووضوحِ الأمر فيه، فاعرفه.

[فصل [معاني "إلي"]]

قال صاحب الكتاب: و"إلى" معارضة لـ "من" دالة على انتهاء الغاية, كقولك: "سرت من البصرة إلى بغداد"، وكونها بمعنى المصاحبة في نحو قوله عز وجل: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} (١) راجع إلى معنى الانتهاء.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "إلى" تدلّ على انتهاء الغاية كما دلّت "مِنْ" على ابتدائها، فهي نقيضتها، لأنها طَرَفٌ بإزاء طَرَف "مِنْ "، ولذلك قال: إنها مُعارِضةُ "مِنْ"، أي: مُجانِبةٌ، ومضادّةٌ لها. ولا تختصّ بالمكان كما اختصّت "مِنْ" به، كقولك: "خرجت من الكوفة إلى البصرة"، فـ "إلى" دلت أن منتهى خروجك البصرة، وكذلك إذا قلت: "رَغِبْت إلى الله"، دللت به على أن منتهى رَغْبتك اللهُ عَزَّ وَجَلَّ. وإذا كتبتَ، فقلت: "من فلان إلى فلان"، فهو النهاية، فـ "مِنْ " للابتداء، و"إلى" للانتهاء. وجائزٌ أن تقول: "سرت إلى الكوفة"، وقد دخلت الكوفةَ، وجائزٌ أن تكون قد بلغتَها، ولم تدخلها؛ لأنّ "إلى" نهايةٌ، فجائزٌ أن تقع على أوّل الحدّ. وجائزٌ أن تتوغّل في المكان، ولكن تُمْنَع من مجاوَزته؛ لأن النهاية غايةٌ، وما كان بعده شيء لم يُسَمَّ غايةً.

وتحقيقُ ذلك أنها لانتهاء غاية العمل، كما أن "مِنْ" لابتداء غاية العمل، إلَّا أنه قد يُلابِس الابتداءُ موضعًا من المواضع، فيكون من أجل تلك الملابسة ابتداءً للغاية، وقد يلابس انتهاءُ الغاية موضعًا من المواضع، فيكون من أجل تلك الملابسة انتهاءً للغاية، وذلك نحوُ: "خرجت من بغداد إلى الكوفة"، فعلى هذا تكون "المَرافِق" داخلةً في الغَسْل عن قول الله عزّ وجلّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (٢).


(١) النساء:٢.
(٢) المائدة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>