للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محلُّ الإعراب، وهو من كل معرب آخِرُه، نحوُ الدال من "زيد"، والباء من "يَضْرِبُ". وعلى هذا لا يكون للمبنيّ حرفُ إعراب، لأنه لا إعرابَ فيه، وربمّا سُمي آخِرُ الكلمة مطلقًا حرفَ إعراب، سواء كانت معربة، أو لم تكن معربة، فعلى هذا حرفُ الإعراب مِن "ضَرَبَ": "الباءُ"؛ على معنَى أنّه لو أُعْرب، أو كان ممّا يُعْرَب، لكان محلَّ الإعراب.

فإن قيل: "ولِمَ كان الإعراب في آخر الكلمة، ولم يكن في أوّلها، ولا في وَسَطها"؟ قيل: إنّما كان كذلك لوجهَيْن: أحدهما: أن الإعراب دليلٌ، والمعربَ مدلولٌ عليه. ولا يصحّ إقامةُ الدليل، إلَّا بعد تقدُّم ذكرِ المدلول عليه؛ فلذلك كان الإعراب آخرًا. الوجهُ الثاني: أنه لمّا احتيج إلى الإعراب، لم يَخْلُ من أن يكون أوّلاً، أو وسطًا، أو آخرًا. فلم يجز أن يكون أوّلاً, لأن الحرف الأول لا يكون إلّا متحرّكًا. فلو جُعل الإعراب أوّلاً، لم يُعْلَم إعرابٌ هو أم بناءٌ. ومع ذلك، فإنّ من جملة الإعراب الجزمَ الذي هو سكونٌ في آخِر الأفعال. فلو كان الإعرابُ أوّلاً لامتنع منها الجزم، إذ الأوّل لا يمكن أن يكون ساكنًا. ولم يُجْعَل وسطًا، لأن بوسط الكلمة يُعْرَف وزنها: هل هي على "فَعَلٍ"، كـ "فَرَسٍ"، أو"فَعِلٍ"، كـ "كَتِفٍ"، أو على "فَعُلٍ" كـ "عَضُدٍ"، مع أنّ من الأسماء ما هو رباعيٌّ لا وسطَ له. فلمّا امتنع الاْوّلُ والوسطُ بما ذكرناه، لم يبق إلَّا جَعْلُ الإعراب آخِرًا، فاعرفه.

* * *

[المُعرب بالحروف]

قال صاحب الكتاب: "واختلافه لفظًا بحرف في ثلاثة مواضع: في الأسماء الستة مضافة, وذلك نحو:"جاءني أبوه, وأخوه, وحموه, وهنوه, وفوه, وذو مال", ورأيت أباه", و"مررت بأبيه", وكذلك الباقية؛ وفي "كلا" مضافًا إلى مضمر, تقول: "جاءني كلاهما", و"رأيت كليهما", و"مررت بكليهما"؛وفي التثنية والجمع على حدّها, تقول: "جاءني مسلمان ومسلمون" ورأيت مسلمينِ ومسلمينَ", و"مررت بمسلمين ومسلمين"".

* * *

قال الشارح: اعلم أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات، والإعرابُ بالحروف فَرْعٌ عليها. وإنمّا كان الإعراب بالحركات هو الأصل لوجهَيْن: أحدهما: أنّا لمّا افتقرنا إلى الإعراب للدلالة على المعنى، كانت الحركات أوْلى, لأنها أقلُّ وأخفُّ، وبها نَصِلُ إلى الغرض، فلم يكن بنا حاجةٌ إلى تكلُّفِ ما هو أثقل. ولذلك كثرتْ في بابها، أعني الحركات، دون غيرها، ممّا أُعْرب به. وقُدّر غيرها بها ولم تُقدَّر هي به. الوجه الثاني: أنَّا لمّا افتقرنا إلى علامات تدل على المعاني وتفرق بينها، وكانت الكَلِم مركَّبة من

<<  <  ج: ص:  >  >>