للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والَّذِي قاموا والمراد: "اللَّذان، والّذِينَ"، فحذفوا النون تخفيفًا لطُولِ الاسم بالصلة، فأمّا قول الفَرَزْدَق [من الكامل]:

أبنِي كليب إن عَمّي اللذا ... إلخ

فإن الشاهد فيه حذفُ النون من "اللَّذان" وقوله: "اللَّذَا" يفخَر على جَرِير، وهو من بني كُلَيب بن يَربوع، بمن اشتهر من بني تَغلِبَ كعمرو بن كُلثوم قاتلِ عمرو بن هِند الملك، وعصِم (١) بن الْنُعمان بن مالك بن عَتاب أبي حَنَش بن حنش قاتلِ شُرَحْبِيل بن عمرو بن حُجْر يومَ الكُلاب الأول، وغيرِهما من ساداتِ تغلب. وقيل أراد بعَمَّيه هُذَيلَ بن هُبَيْرَة التغلبي الشاعر، والهذيلَ بن عِمرانَ الأصفَر الذي كان أخًا لأُمه. وأمّا قول الآخر [من الطويل]:

وإن الذي حانت بِفَلج دَماؤُهم ... هُمُ القَومُ كُل القومِ يا أُمّ خالِدِ

فإن البيت للأشهَب بن رُمَيلَة، ويروى: زُمَيلَة بالزاي. والشاهدُ فيه حذف النون من "الّذين" استخفافًا على ما تقدم، والذي يدل أنه أراد الجمعَ قولُه:"دماؤهم"، فعَودُ الضمير من الصلة بلفظ الجمع، يدل أنه أراد الجمع. ومثلُه قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (٢) والمراد: "الذين لقوله: "خاضوا". ويجوز أن يكون "الذي" واحدًا، وُيؤدي عن الجمع. فإن عاد الضمير بلفظ الواحد، فنَظَرًا إلى اللفظ، وإن عاد بلفظ الجمع، فبالحمل على المعنى على حدِّ "مَن". ومثلُه قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (٣). وقال سبحانه: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ} (٤)، فعاد الضمير مرّةَ بلفظ الواحد، ومرّة بلفظ الجمع حَملاَ على المعنى. وهو يرثي قومًا قُتلوا بفلْج، وهو موضع معروف بين البصرة وضَرِيَّة، وهو مذكر مصروف.

[فصل [الإخبار بـ "الذي"]]

قال صاحب الكتاب: ومجال "الذي" في باب الإخبار أوسع من مجال اللام التي بمعناه حيث دخل في الجملتين الاسمية والفعلية جميعاً، ولم يكن للام مدخل إلا في الفعلية، وذلك قولك إذا أخبرت عن زيد في "قام زيدٌ" و"زيدٌ منطلقٌ": "الذي قام زيدٌ"، و"الذي هو منطلق زيد"، و"القائم زيدٌ", ولا تقول: "الهو منطلق زيد", والإخبار عن كل اسم في جملة سائغٌ إلا إذا منع مانع.

* * *

قال الشارح: الإخبار ضرب من الابتداء والخبرِ تُصدّر فيه بـ "الذِي" أو بالألف


(١) في الطبعتين "عاصم"، وهذا تحريف.
(٢) التوبة: ٦٩.
(٣) الزمر: ٣٣.
(٤) البقرة: ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>