للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك اعتُقد سقوطُ "إنَّ" في قولك: "إنّك وزيدّ ذاهبان"؛ لأن معناهما واحدٌ.

فأمّا قوله تعالى: {وَالصَّابِئُونَ} (١)، فيحتمل أُمورًا: أحدها أن يكون المراد التقديم والتأخير، ويكون المعنى: الذين آمنوا والذين هادوا مَن آمن بالله واليومِ الآخر منهم، فلا خوفَ عليهم ولا هم يحزَنون. و"الصابئون والنصارى" مبتدأً، وخبرُه هَذا الظاهر. ويجوز أن يكون الظاهر خبرَ "إنَّ" يكون في النيّة مقدّمًا، ويكون "الصابئون والنصارى" رفعا بالابتداء، كأنّه كلامٌ مستأنَفٌ. والمراد: "والصابئون والنصارى كذلك"، على حدّ قوله [من الطويل]:

غَدَاةَ أحَلَّتْ لابْن أصْرَمَ طَعْنَةٌ ... حُصَيْنٍ عَبِيطاتِ السَّدائفِ والخَمْرُ (٢)

أي: والخمرُ كذلك، وهو كثيرٌ. فأمّا قول الشاعر [من الوافر]:

وإلَّا فاعلموا ... إلخ

البيت لبِشْر بن أبي خازم، والشاهد فيه رفع "بغاة" على خبرِ "أنَّ"، والنيّةُ به التقديم، ويكون "أنْتُمْ" ابتداءً مستأنَفًا، وخبرُه محذوف دلّ عليه خبرُ "أنَّ". ويجوز أن يكون خبرِ "أنَّ" هو المحذوف، و"بغاةٌ" الظاهرُ خبرَ "أنتم". وساغ حذفُ الأوّل لدلالة الثاني عليه. والبُغاة: جمعُ باغ، وهو الباغي بالفَساد، وأراه من "بَغَى الجُرْحُ" إذا وَرِمَ، وتَرامى إلى فسادٍ. والشقاق: الخِلاف، وأصله من المَشقّة، كأنّ كلّ واحد منهما يأتي بما يشُقّ على الآخر، أو من الشِّقّ، وهو الجانب، كأنّ كلّ واحد يكون في شِقٍّ غيرِ شقّ الآخر.

فصل [دخول "إنّ" علي "أنَّ"]

قال صاحب الكتاب: ولا يجوز إدخال "إن" على "أن" فيقال: "إنّ أنّ زيداً في الدار", إلا إذا فُصل بينهما, كقولك: "إن عندنا أن زيداً في الدار".

* * *

قال الشارح: قد تقدّم الكلام على "أنَّ" المفتوحة، وأنها لا تقع أوّلاً، ولا تكون إلَّا مبنيّة على كلام. ولا تدخل "إنَّ" المكسورةُ عليها، وإن كانت في تقديرِ اسم مفرد لاتّفاقهما في المعنى، وهم لا يجمعون بين حرفَيْنِ بمعنى واحد.

فإذا أُريد ذلك؛ فصلوا بينهما، فقالوا: "إنَّ عندنا أنَّ زيدًا في الدار". فـ "أنَّ" واسمها وخبرها في تأويلِ اسم "إنَّ"، والظرفُ خبرٌ. وإذا كانوا امتنعوا من الجمع بين اللام و"إنَّ"، مع تبايُنِ لفظَيْهما؛ فلأن لا يجمعوا بين "إنَّ" المكسورة والمفتوحة مع اتّحاد


(١) المائدة: ٦٩.
(٢) تقدم بالرقم ٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>