للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل [النصب والرفع بعد "حتى"]]

قال صاحب الكتاب: وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع بل للعدول به إلى غير ذلك معنى وجهة من الإعراب مساغ, فله بعد "حتى" حالتان هو في إحديهما مستقبل, أو في حكم المستقبل, فينصب، وفي الأخرى حال أو في حكم الحال فيرفع, وذلك قولك: "سرت حتى أدخلها"، و"حتى أدخلها". تنصب إذا كان دخولك مترقبًا لما يوجد، كأنك قلت "سرت كي أدخلها"، ومنه قولهم أسلمت حتى أدخل الجنة، وكلمته حتى يأمر لي بشيء". أو كان مقتضيًا إلا أنه في حكم المستقبل من حيث أنه في وقت وجود السير المفعول من أجله كان مترقبًا.

* * *

قال الشارح: ليس النصب لازمًا في هذه الأشياء بحيث لا يجوز غيره، بل يجوز فيها العطف على ظاهر الفعل المتقدّم، فيشاركه في إعرابه، إن رُفعا، وإن جُزما. ألا ترى أنك إذا قلت: "لا تأكلِ السمكَ وتشربِ اللبنَ" بجزم الثاني؛ كنت قد عطفت الثاني على الأول، ويكون المعنى أنك نهيتَه عن كل واحد على الانفراد حتى لو أكل السمك وحده، كان عاصيًا، ولو شرب اللبن وحده؛ كان عاصيًا. فإذا أُريد النهي عن الجمع لا عن كل واحد منهما، عدل إلى النصب، فهذا معنى قوله: "بل للعدول به إلى غير ذلك من معنى وجهة من الإعراب مساغ أي: إذا أُريد غير معنى العطف الصريح، وكان له مساغٌ؛ عدلوا إليه. فمن ذلك "حَتّى" وقد تقدّم الكلام عليها والخلافُ فيها، وهي إذا دخلت على الفعل كانت مذهبَيْن: أحدهما أن يقع الفعل بعدها منصوبًا، والآخر أن يكون مرفوعًا، وذلك على تقديرَيْن: فإذا نصبت الفعل بعدها؛ كان بإضمار "أنْ"، وكانت "حتى" هي الجارّة للاسم من نحو قوله تعالى: {سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (١)، كما أن اللام كذلك.

وظاهرُ أمرها الغايةُ، وأصل معنى الغاية لـ"إلى"، و"حتّى" محمولةٌ في ذلك عليها، فهي حرف جرّ مثلُها، ولذلك جرّت كما جرّت تلك في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٢)، وكلاهما غاية كما ترى، إلَّا أن "حَتى" تُدخِل الثاني فيما دخل فيه الأول من المعنى، فمعناها إذا خفضتْ كمعناها إذا نُسق بها، فلذلك خالفتْ "إلى". فإذا قلت: "أكلتُ السمكة حتى رأسِها" بالخفض، كان المعنى أنّني لم أُبْقِ منها شيئًا كما لو كانت العاطفة، وإذا كانت الجازة على ما قرّرنا، فجارُّ الاسم ليس بناصب للفعل، فهذا انتصب الفعل بعدها، فيكون بإضمار "أنْ"، و"أنْ" والفعل مصدرٌ مجرور


(١) القدر: ٥.
(٢) البقرة: ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>