للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"هِيَ"؛ لأنه لا يقع بعد "أم" هذه إلَّا الجملةُ؛ لأنه كلامُ مستأنَفٌ، إذ كانت "أم" في هذا الوجه إنما تعطف جملةً على جملة، إلَّا أن فيها إبطالًا للأوّل وتراجُعًا عنه من حيث كانت مقدرةَ بـ "بَل" والهمزةِ على ما تقدم. فـ "بَل" للإضراب عن الأول، والهمزةُ للاستفهام عن الثاني. وليس المراد أنها مقدرة بـ "بَلْ" وحدَها، ولا بالهمزة وحدها؛ لأن ما بعد "بَل" متحقق، وما بعد "أم" هذه مشكوك فيه مظنونٌ، ولو كانت مقدرة بالألف وحدها، لم يكن بين الأول والآخر عُلقةٌ. والدليل على أنها ليست بمنزلةِ "بَلْ" مجرَّدةً من معنى الاستفهام قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ؟} (١)، وقوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟} (٢)، إذ يصير ذلك متحقّقًا، تَعالى الله عن ذلك.

فصل [الفرق بين "أو" و"أَمْ"]

قال صاحب الكتاب: والفصل بين "أو", و"أمْ" في قولك: "أزيد عندك أو عمرو؟ " و"أزيد عندك أم عمرو؟ " وأنك في الأول لا تعلم كون أحدهما عنده, فأنت تسأل عنه، وفي الثاني تعلم أن أحدهما عنده إلا أنك لا تعلمه بعينه, فأنت تطالبه بالتعيين.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم الفصل بين "أو" و"أم"، وذلك أنّ "أو" لأحد الشيئين، فإذا قال: "أزيدٌ عندك أو عمرو؟ " فالمراد: أأحدُ هَذَين عندك؟ فأنت لا تعلم كونَ أحدهما عنده، فأنت تسأله ليُخبِرك، ولذلك يكون الجواب "لا"، إن لم يكن عنده واحدٌ منهما، أو"نَعَمْ" إذا كان عنده أحدهما. ولو قال الذي الجواب "زيدٌ" أو"عمرٌو"، لم يكن مُجيبًا بما يُطابِق السؤالَ صريحًا، بل حصل الجواب ضِمْنًا وتَبَعًا, لأن في التعيين قد حصل أيضًا علمُ ما سأل عنه. وأمّا "أم " إذا كانت متصلة، وهي المعادَلة بهمزة الاستفهام، فمعناها معنَى "أي". فإذا قال: "أزيدٌ عندك أم عمرو؟ " فالمراد: أيهما عندك؟ فأنت تدري كونَ أحدهما عنده بغير عينه، فأنت تطلب تعيينه، فيكون الجواب "زَيدٌ"، أو"عمرو". ولا تقول: "نَعَم"، ولا "لا"؛ لأنه لا يريد السائل هذا الجوابَ على ما عنده، فقد تَبين أن السؤال بـ "أو" معناه: أأحدهما؟ وبـ "أم" معناه أيهما؟ فإذا قال: "أزيدٌ عندك أو عمرو؟ " فأجبتَ بـ "نَعَم"، عَلِمَ أن عنده أحدَهما. وإذا أراد التعيين، وضع مكانَ "أوْ" "أمْ" واستأنف بها السؤالَ، وقال: "أزيدٌ عندك أم عمرو؟ " فيكون حينئذ الجواب "زيدٌ"، أو "عمرو"، فاعرفه.


(١) الزخرف: ١٦.
(٢) الطور: ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>