فصل [فصل "قَدْ" عن الفعل بالقسم, وطرح الفعل بعدها]
قال صاحب الكتاب: ويجوز الفصل بينه وبين الفعل بالقسم, كقولك:"قد والله أحسنت"، و"قد لعمري بتُّ ساهراً". ويجوز طرح الفعل بعدها إذا فُهم, كقوله [من الكامل]:
أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قَدِ (١)
* * *
قال الشارح: اعلم أن "قَدْ" من الحروف المختصّة بالأفعال، ولا يحسن إيلاءُ الاسم إيّاه، وهو في ذلك كالسين و"سَوْفَ". ومنزلةُ هذه الحروف من الفعل منزلةُ الألف واللام من الاسم, لأن السين و"سوف" يقصران الفعل على زمان دون زمان. وهي بمنزلة الألف واللام التي للتعريف، وقَدْ توجِب أن يكون الفعل متوقَّعًا، وهو يُشْبِه التعريفَ أيضًا، فكما أنّ الألف واللام اللتين للتعريف لا يُفصَل بينهما وبين التعريف أيضًا، كان هذا مثلَه، إلَّا أن "قَدْ" اتّسعت العربُ فيها؛ لأنّها لتوقّعِ فعل، وهي منفصلةٌ ممّا بعدها، فيجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقَسَم؛ لأنّ القسم لا يفيد معنى زائدًا، وإنّما هو لتأكيد معنى الجملة، فكان كأحد حروفها، وقال:"قد واللهِ أحسنتَ"، و"قد لَعَمْري بِتُّ ساهرًا". هكذا الروايةُ "أحسنتَ" بفتح التاء، و"بِتُّ" بضمّ التاء. فأمّا قوله [من الكامل]:
أفد الترحّل ... إلخ
فالبيت للنابغة، والشاهدُ فيه طرحُ الفعل بعد "قَدْ" لدلالةِ ما تقدّم عليه. ومثلُه "لَمَّا" في جواز الاكتفاء بها، وقد تقدّم قبلُ، فاعرفه.