البيت لرجل من بني سَلُولٍ، والشاهدُ فيه رفعُ ما بعد "لا" من غيرِ تكرير. وقد تقدّم قُبْحُه، والذي سوّغه أنّ ما بعده يقوم مقام التكرير في المعنى, لأنّ قوله:"حياتُك لا نفعٌ، وموتُك فاجعُ" بمعنى: "لا نَفْعٌ ولا ضَرَرٌ". يقول: إِنّه مِنَّا في النَّسَب، إلَّا أنّ نَفْعَه لغيرنا، فحياتُه لا ينفعُنا وموتُه يحزنُنا، وأمّا قول الآخر [من الطويل]:
فالشاهد فيه الرفع بـ "لا" من غيرِ تكرير ضرورةٌ، وسوّغه شَبَهُ "لا" بـ "لَيْسَ" من حيثُ النفيُ، وصف أنّها فارقتْه، فبَكَتْ، واسترجعتْ. ومعنى آذنتْ: أَشْعَرَتْ. والركائبُ: جمعُ رَكُوبَةٍ، وهي الراحِلةُ تُرْكَب. وهو عند سيبويه ضعيفٌ (١) من قبيلِ الضرورة, لأنّه لم يُكرَّر "لا" على ما تقدّم من لزوم تكريرها إذا رُفع ما بعدها.
وكان أبو العباس محمّدُ بن يزيد المبردُ لا يرى بَأْسًا أن تقول:"لا رجلٌ في الدار" في حال الاختيار، وسعةِ الكلام، ويجعله جوابَ قوله:"هل رجلٌ في الدار"، ويجوز أن يكون لرجل واحد، ويجوز أن يكون في موضع جمع، كما كان في قولك:"هل رجلٌ في الدار". وكذلك يُجيز "لا زيدٌ في الدار" على تقديرِ: "هَلْ زيدٌ في الدار؟ " وإن كان الأوّلُ أكثر، فاعرفه.
فصل [حكمها إذا كُرِّرت]
قال صاحب الكتاب:"وفي "لا حول ولا قوة إلا بالله" ستة أوجهٍ: أن تفتحهما، وأن تنصب الثاني، وأن ترفعه، وأن ترفعهما، وأن ترفع الأول على أن "لا" بمعنى "ليس"، أو على مذهب أبي العباس, وتفتح الثاني، وأن تعكس هذا".
* * *
قال الشارح: لك في "لا حَوْلَ ولا قُوّةَ إلَّا بالله" وما أشبهَه أن تبنِيَهما على الفتح، وتكون "لا" الثانيةُ نافيةً كالأُولى، كأنّك استأنفتَ النفيَ بها، فيكون كلُّ واحد منهما جملةً قائمةً بنفسها. فـ "لا" الأولى واسمُها في موضع مبتدأ، و"لا" الثانيةُ واسمُها في موضع مبتدأ ثانٍ. ويقدَّر لكل واحد منهما خبرٌ مرفوعٌ. ولك أن تفتح الأول، وتنصب الثاني نصبًا صريحَا بالتنوين، فتقول:"لا حولَ ولا قوّة إلَّا بالله"، فتعطف المنصوبَ المنوّنَ على المركَّب، إمّا على فتحة البناء لشَبَهها بحركة الإعراب، وإمّا على عَمَلِ "لا" في المنفيّ. وحَقُّه أن يكون منوّنًا، إلاّ أنّ البناء مَنَعَه من ذلك كما تقول:"مررت بعثمان وزيدٍ"، فموضعُ "عثمان" خفضٌ إلَّا أنّه لا ينصرف، فجرى مجرى المعطوف على