للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثالث: قول أبي العباس المبرد، وهو أن الكاف والنون والياء في موضعِ نصب بأنها خبرُ "عسى"، وأن اسمها مضمرٌ فيها مرفوعٌ. وجعله كقولهم: "عَسَى الغُوَيْرُ أبْؤُسَا" (١)، إلَّا أنه قُدّم الخبر؛ لأنها فعلٌ، ونُوِيَ الاسم للعلم به، كما قالوا: "لَيْسَ إلَّا"، فاعرفه.

[فصل [نون الوقاية]]

قال صاحب الكتاب: وتعمد ياء المتكلم إذا اتصلت بالفعل بنون قبلها صوناً له من أخي الجر. وتُحمَل عليه الأحرف الخمسة لشبهها به, فيقال: "إنني", وكذلك الباقية، كما قيل "ضربني", و"يضربني". وللتضعيف مع كثرة الإستعمال جاز حذفها من أربعة منها في كل كلام, وقد جاء في الشعر "ليتي"؛ لأنها منها قال زيد الخيل [من الوافر]:

كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي (٢)

* * *

قال الشارح: اعلم أن ضمير المنصوب إذا كان للمتكلّم، واتصل بالفعل، نحوَ: "ضَرَبني"، و"خاطَبَني"، و"حَدَّثَني"، فالاسمُ إنّما هو الياءُ وحدَها، والنونُ زيادةٌ. ألا تراها مفقودةَ في الجرِّ من نحوِ "غلامي"، و"صاحبي"، والمنصوبُ والمجرورُ يستويان.

وإنما زادوا النونَ في المنصوب إذا اتصل بالفعل وِقايةً للفعل من أن تدخله كسرةٌ لازمةٌ. وذلك أن ياء المتكلم لا يكون ما قبلها إلَّا مكسورًا إذا كان حرفاً صحيحًا، نحوَ: "غلامي"، و"صاحبي". والأفعالُ لا يدخلها جرٌّ، والكسر أخو الجرّ؛ لأن مَعْدِنَهما واحدٌ، وهو المَخرَجُ، فلمّا لم يدخل الأفعالَ جرٌّ، آثروا أن لا يدخلها ما هو بلفظه ومن مَعْدِنه خوفًا وحِراسة من أن يتطرّق إليها الجرُّ، فجاؤوا بالنون مزيدةً قبل الياء، ليقع الكسرُ عليها، وتكون وِقاية للفعل من الكسر. وخصوا النونَ بذلك، لقُرْبها من حروف المدَّ واللين، ولذلك تُجامِعها في حروف الزيادة، وتكون إعرابًا في "يفعلان"، و"تفعلان"، و"يفعلون"، و"تفعلون"، و"تفعلين"، كما تكون حروفُ المدّ واللين إعرابًا في الأسماء الستة المعتلّة من نحوِ قولك: "أخوك"، و"أبوك"، وأخواتِهما، وفي التثنية والجمع؛ ولأن هذه النون قد


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال ٢/ ٥٠؛ وجمهرة اللغة ص ٧٨٣؛ وخزانة الأدب ٥/ ٣٦٤، ٣٦٥، ٨/ ٣٨٦، ٩/ ٣١٦، ٣٢٠، ٣٢٨؛ وزهر الأكم ١/ ٢١٠؛ والعقد الفريد ٣/ ١١٧؛ وفصل المقال ص ٤٢٤؛ وكتاب الأمثال ص ٣٠٠؛ ولسان العرب ١/ ٥٢ (جيأ)، ٥/ ٣٨ (غور)، ٦/ ٢٣ (بأس)، ١٥/ ٥٥ (عسا)؛ والمستقصى ٢/ ١٦١؛ ومجمع الأمثال ٢/ ١٧.
والغوير: تصغير غار. والأبؤس: جمع بُؤس، وهو الشِّدَّة. والمثل قالته الزَّبّاء عندما علمت برجوع قصير من العراق، ومعه الرجال، وبات بالغوير على طريقه. ومعناه: لعل الشر يأتيكم من قِبَل الغار. يضرب مثلاً للرجل يُخبِر بالشر فيُتهم به.
(٢) تقدم بالرقم ٤٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>