للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الأسماء، فـ "لَوْلَا" وُصلة لِماذا؟ فالجوابُ أن حروف الجرّ قد تقع زوائدَ في موضعِ ابتداء، وذلك نحوُ قولهم: "بحَسْبِكَ زيدٌ"، والمرادُ: حسبُك زيدٌ، وقولِهم: "هل من أحدٍ عندك؟ " والمرادُ: هل أحدٌ عندك؛ فموضعُ الحرفَيْن رفيع بالابتداء وإن كانا عمِلا الخفضَ، فكذلك "لَوْلَا" إذا عملت الجرَّ، صارت بمنزلة الباء في "بحسبك زيد". و"مِنْ" في "هل من أحد عندك" غيرَ متعلّقة بشيء، وموضعُها رفيع بالابتداء، والخبرُ مقدر محذوف كما كان مع الرفع.

وقال الأخفش -وهو قول الفراء -: إن الكاف والياء في "لولاك" و"لولاي" في موضعِ رفع، واحتجّ بأن الظاهر الذي وقعت هذه الكناياتُ موقعَه مرفوع.

قال: وإنما علامةُ الجرّ دخلت على الرفع ههنا، كما دخلت علامةُ الرفع على الجرّ في قولهم: "ما أنا كأنتَ". و"أنتَ" من علاماتِ المرفوع، وهو ههنا في موضعِ مجرور، وكذلك الكافُ والياءُ من علاماتِ المجرور، وهما في "لولاي"، و"لولاك" من علاماتِ المرفوع، وُيؤيد ذلك أنك تجد المكنى يستوي لفظُه في الخفض والنصب، فتقول:"ضربتُك"، و"مررت بك"، ويستوي أيضًا في الرفع والنصب والخفض، فتقول: "ضَرَبَنَا"، و"مَرَّ بنا"، و"قُمنَا" فتكون النونُ والألف علامةَ المنصوب والمجرور والمرفوع. وإذا كان كذلك، جاز أن تكون الكافُ في موضعِ "أنتَ"، و"أنتَ" في موضع الكاف، وُيفرَّقَ بين إعرابهما بالقَرائن، ودَلالاتِ الأحوال، وقد ردّ سيبويه هذه المقالةَ، فقال: لو كان موضعُ الياء والكاف في "لولاي"، و"لولاك" رفعًا، وأن كنايةَ الرفع وافقتِ الجرّ كما وافقه النصبُ إذا قلت: "معك"، و"ضَرَبَكَ"؛ لفُصِلَ بينهما في المتكلم، فكنتَ تقول في الرفع: "لولاني"، وفي الجرّ: "لولايَ"، كما تقول في النصب: "ضَرَبَنِي"، وفي الجرّ: "مَعِي"، فاعرفه.

وأمّا "عساك"، و"عساني"، ففيه ثلاثةُ أقوال:

أحدُها: قولُ سيبويه (١)، وهو أن "عَسَى" بمنزلةِ "لَعَلَّ" ينتصب بعدها الاسمُ، والخبر محذوف مرفوع في التقدير، كما أن "عَلكَ" خبرُها محذوفٌ مرفوع في التقدير، والكافُ اسمُها، وهي منصوبة. والذي يدل على أن الكاف في "عساك" منصوبة أنها ليست من ضمائر الرفع، ويدخل عليها نونُ الوقاية في قولِ عِمْران:

لعليّ أو عساني (٢)

والنون والياء فيما آخِره ألفٌ لا تكون إلَّا للنصب.

والثاني: وهو قول الأخفش، أن الكاف والنون والياء في موضعِ رفع، وأنّ لفظ النصب استعير للرفع كما استعير له لفظُ الجرّ في "لولاي" و"لولاك ".


(١) الكتاب ٢/ ٣٧٤، ٣٧٥.
(٢) تقدم بالرقم ٣٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>