للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لغةُ قوم من العرب, لأنّ هذين الشاعرين ليس من لغتهما تركُ الهمزة، وقولُ ابنه عبد الرحمن يُهاجِي ابن الحَكَم بن أبي العاص بن أُميّة [من الوافر]:

فأمّا قولُك الخُلَفاء منَّا ... فهُنم مَنَعُوا وَرِيدَكَ مِن وِداجي

ولَوْلاهُمْ لَكنتَ كحُوتِ بَحْرٍ ... غَدا في مُظْلِمِ الغَمَراتِ داجي

وكنتَ أَذَلَّ من وَتَدٍ بِقاعٍ ... يُشَجِّجُ رَأسَه بالفِهْر واجي (١)

الشاهد فيه قوله: "واجي". والإبدالُ ها هنا أسهلُ؛ لأن الهمزة هنا طَرَفٌ، والطرفُ ممّا يسكن في الوقف، والهمزةُ إذا سكنت وانكسر ما قبلها، قُلبت ياءً، نحو قولك في "بِئْرٍ": "بيرٌ"، فاعرفه.

فصل [حذف الهمزة حذفًا غير قياسي]

قال صاحب الكتاب: وقد حذفوا الهمزة في "كل" و"مر" و"خذ" حذفاً غير قياسي، ثم ألزموه في اثنين دون الثالث, فلم يقولوا: "أوخذ" ولا "أوكل". وقال الله تعالى: {وأمر أهلك} (٢).

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الفعل إذا سكن ما بعد حرف المضارعة منه، نحو: "يَضرِبُ"، و"يَخرُجُ"، و"يَعْلَمُ"، وأمرتَ منه المخاطبَ، فإنّك تحذف منه حرف المضارعة لِما ذكرناه قبلُ، فبقي ما بعده ساكنًا، وهي الضاد والخاء والعين، ولا يمكن الابتداء بالساكن، فحينئذ تجيء بالهمزة توصُّلاً إلى النطق بالساكن، فتقول: "اضرِبْ"، "اُخرُجْ" , "اعْلَمْ".

وهذه الهمزة مكسورة لالتقاء الساكنين، إلّا أن يكونْ الثالث مضمومًا، فإنّك تضمّها إتباعًا كراهيةَ الخروج من كسر إلى ضمّ. فما كان فاؤه همزة تسكن في المضارع كان هذا حكمه , نحو: "أَتَى يَأْتِي"، و"أَثِمَ يَأْثَمُ"، إلّا إنّك تُبْدِل الهمزة الثانية ياءً خالصةً إن كانت همزة الوصل مكسورةً، نحو قولك: "إيتِ"، و"إيثَمْ"، والأصلُ: "إئْتِ"، و"إئْثَمْ". وإن كانت همزة الوصل مضمومة، قُلبت واوًا خالصةً، نحوَ: "أُوسُ الجُرْحَ"، والأصلُ: "أُؤسُ". فقلبوا الهمزة الثانية حرفًا لينًا فرارًا من الجمع بين الهمزتين؛ لأنّه إذا جاز التخفيف في الهمزة، وجب في الهمزتين، إلّا أنّه شدّ من هذا ثلاثةُ أفعال تُسْمَع، ولا يقاس عليها لخروجها عن نظائرها، وهي: "خُذ"، و"كُلْ"، و"مُرْ"، والقياس: "اُؤْخُذْ"، "اُؤكُلْ"، "اُؤْمُرْ"، فحذفوا الهمزة التي هي فاء؛ تخفيفًا لاجتماع الهمزتين فيما يكثر استعمالُه، فحينئذ استُغني عن همزة الوصل لزوال الساكن وتحرُّكِ ما يُبتدأ به، وهو الخاء


(١) تقدم بالرقم ١٢٤٨.
(٢) طه: ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>