للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرجتَ "منْ"، كان الكلام حسنًا، ولكنّه أُكد بـ "منْ"؛ لأن هذا موضعُ تبعيض، فأراد أنّه لم يأتِ بعضُ الرجال. وقد ردّ ذلك أبو العباس، فقال: إذا قلنا: "ما جاءني رجلٌ"، احتمل أن يكون واحدًا، وأن يكون الجنسَ، فإذا دخلتْ "مِنْ"، صارت للجنس لا غير. وهذا لا يلزم؛ لأنه إذا قال: "ما جاءني رجلٌ"، جاز أن ينفي الجنس بهذا اللفظ كما ينفي في قولك: "ما جاءني أحدٌ"، فإذا أدخل "منْ"، لم تُحْدِث ما لم يكن، وإنما تأتي توكيدًا.

وإعلم أنّ ابن السرّاج قال: حقُّ الملغى عندي أن لا يكون عاملًا ولا معمولًا فيه حتى يُلْغَى من الجميع، ويكون دخولُه كخروجه، لا يُحْدِث معنى عْيرَ التوكيد، واستغرب أن تكون هذه الخوافض زائدةٌ؛ لأنها عاملة، قال: ودخلت لمعانٍ غيرِ التأكيد.

وفي الجملة الإلغاءُ على ثلاثة أوجه: إلغاءٌ في المعنى فقط، وإلغاءٌ في الإعمال فقط، وإلغاءٌ فيهما جميعًا. فالإلغاءُ في المعنى نحوُ حروف الجرّ، كقولك: "ما زيدٌ بقائم"، و"ما جاءني من أحد". وأمّا ما أُلغي في العمل، فنحوُ: "زيدٌ منطلقٌ ظننتُ " و"ما كان أحْسَنَ زيدًا". وأمّا الإلغاءُ في المعنى واللفظ، فنحوُ: "ما"، و"لا"، و"إنْ". واعلم أنّ سيبويه لا يجيز زيادةَ "مِنْ" إلَّا مع النفي على ما تقدّم من قولنا: "ما جاءني من أحد"، و"ما جاءنا من بشير ولا نذير" ألا ترى أن المعني زيادتها إذ ليس المقصود نفيَ بشير واحد، ولا نذير واحد، وإنّما المراد الجنسُ. وكذلك الاستفهامُ، نحو قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ؟} (١)، إذ ليس المراد جوازَ التقدير على خالق واحد، والجامعُ بين الاستفهام والنفي أنهما غير واجبَيْن.

وذهب أبو الحسن الأخفش إلى جواز زيادتها في الواجب، وقد تقدّم الكلام على ذلك مستوفى في فصل حروف الإضافة.

[فصل [زيادة الباء]]

قال صاحب الكتاب: وزيادةُ الباء لتأكيد النفي والإيجاب في نحو: "ما زيدٌ بقائمٍ", وقالوا: "بحسبك زيدٌ" و {كفى بالله} (٢).

* * *

قال الشارح: قد زيدت الباء في أماكن، ومعنى قولنا: "زيدت"، أي: أنها دخلت


(١) فاطر:٣.
(٢) الرعد: ٤٣؛ والإسراء: ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>