وتَميَّز من رجلٍ ليس بهذه الصفة، كما إذا قلت:"مررت برجلٍ قائم؟ " ولو قلت: "مررت برجلٍ قائمٍ عمرٌو أو ضاربٍ زيدٌ"، لم يحصل بذلك تخصيصٌ، ولا تَميَّز به من غيره، إذ ذلك ليس شيئًا يَخُصّه. فإذا قلت:"مررت برجلٍ كثير عدوُّه"، فقد اتّصل المضمرُ بالفاعل، وإذا قلت:"قليل مَنْ لا سَبَبَ بينه وبينه"، فقد اتّصل الضميرُ بالفاعل. وإذا قلت:"مررت برجلٍ ضاربٍ أخاه"، فقد اتّصل الضمير بالمفعول، فكان من سببه، لذلك فاعرفه.
[فصل [مطابقة الصفة للموصوف]]
قال صاحب الكتاب: وكما كانت الصفة وفق الموصوف في إعرابه فهي وفقه في الأفراد والتثنية والجمع والتعريف والتنكير والتذكير والتأنيث، إلا إذا كانت فعل ما هو من سببه فإنها توافقه في الإعراب والتعريف والتنكير دون سواهما، أو كانت صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث نحو فعول وفعيل بمعنى مفعول أو مؤنثة تجري على المذكر نحو علامة وهلباجةٍ وربعة ويفعةٍ.
* * *
قال الشارح: قد تقدّم قولُنا: إنّ الصفة تابعةٌ للموصوف في أحواله. وجملتُها عشرةُ أشياءَ: رفعُه، ونصبه، وخفضه، وإفراده، وتثنيته، وجمعه، وتنكيره، وتعريفه، وتذكيره، وتأنيثه. إن كان الاسمُ الأوَّلُ الموصوف مرفوعًا، فنعتُه مرفوعٌ. وإن كان منصوبًا، فنعتُه منصوبٌ. وإن كان مخفوضًا، فنعتُه مخفوضٌ. وكذلك سائرُ الأحوال. تقول:"هذا رجلٌ عاقلٌ"، و"رأيت رجلًا عاقلًا"، و"مررت برجلٍ عاقلٍ". فقد ترى كيف تبعتِ الصفةُ الموصوف في إعرابه، وإفراده، وتذكيره، وتنكيره. ولو قلت:"هذا رجلٌ الظريف"، أو "هذا زيدٌ ظريفٌ" على أن تجعل "ظريفًا" نعتًا لِمَا قبله؛ لم يجز، لمخالَفته إيّاه في التعريف، فإن جعلتَه بَدَلًا، جاز.
وإنَّما وجب للنعت أن يكون تابعًا للمنعوت فيما ذكرناه من قِبَل أنّ النعت والمنعوت كالشيء الواحد، فصار ما يلحَق الاسم يلحق النعتَ. وإنَّما قلنا: إِنّهما كالشيء الواحد من قِبَل أنّ النعت يُخْرِج المنعوتَ من نوع إلى نوع أخصَّ منه، فالنعتُ والمنعوت بمنزلةِ نوع أخصَّ من نوع المنعوت وحده، فالنعتُ والمنعوت بمنزلة إنسان، والمنعوتُ وحدَه بمنزلةٍ حَيَوان، فكما أنّ إنسانًا أخصَّ من حيوان، كذلك النعتُ والمنعوت أخصُّ من المنعوت وحده، ألا ترى أنّك إذا قلت:"مررت برجلٍ"، فهو من الرجال الذين كلُّ واحد منهم رجلٌ، وإذا قلت:"مررت برجل ظريف"، فهو من الرجال الظُّرفاء الذين كلُّ واحد منهم رجلٌ ظريفٌ، فالرجالُ الظرفاء جملةٌ لرجل ظريف، كما أن الرجال جملةٌ