وقول صاحب الكتاب: و"لم يدغموا نحو: "تَذكرون" لئلّا يجمعوا بين حذف التاء وادغام الثانية" إشارةٌ منه بأنه كان يسوغ الادغامُ لولا الحذفُ. وليس ذلك صحيحًا؛ لأنّ هذا النوع من الادغام لا يسوغ في المضارع؛ لما ذكرناه من سكون الأول ودخولِ ألف الوصل، وذلك لا يجوز، فاعرفه.
فصل [الادّغام الشاذ]
قال صاحب الكتاب: ومن الادّغام الشاذ قولهم: "سِتٌّ", أصله:"سدسٌ"، فأبدلوا السين تاءً, وادّغموا فيها الدال. ومنه "وَدٌّ" في لغة بني تميم, وأصلها "وَتِدٌ", وهي الحجازية الجيدة, ومثله "عدانٌ" في "عتدانٍ". وقال بعضهم:"عُتُدٌ" فرارًا من هذا.
* * *
قال الشارح: قد نبه في هذا الفصل على أسماءٍ قد وقع فيها الادغامُ على غير قياس، وكثُر ذلك عنهم، فصار شاذًّا في القياس مطّردًا في الاستعمال. فمن ذلك قولهم:"سِتٌّ"، أصله:"سِدْسٌ": فكثرت الكلمةُ على ألسنتهم، والسين مضاعفة ليس بينهما حاجزٌ قويٌّ لسكونه، فكان مخرجُ الحاجز أيضًا أقرَب المخارج إلى السين، فصارت كأنّها ثلاث سينات. وقد تقدّم أن الدال تدّغم في السين، والسين لا تدّغم في الدال. فلو ادُّغم على القياس، لوجب أن يقال:"سِسٌّ" فيجتمع ثلاث سينات، فكرهوا ذلك؛ لأنّهم إذ كرهوا السين بينهما دالٌ كانوا لاجتماع ثلاث سينات ليس بينها حاجزٌ أكرهَ. وكرهوا أن يقلبوا السينَيْن دالًا، ويدغموا الدال الدال كما يُعمَل في الادغام مَن قلب الثاني إلى جنس الأوّل، فيقولوا:"سِدٌّ"، فيصير كأنّهم ادغموا السين في الدال، وذلك لا يجوز، فقلبوا السين إلى أشبه الحروف بها من مخرج الدال، وهو التاء؛ لأن التاء والسين مهموستان، فصار "سِدْتًا". ثمّ ادغموا الدال في التاء؛ لأنّهما من مخرج واحد، وقد سبقت القال التاء، وهي ساكنة، فثقُل إظهارُها. ولم يقلبوها صادًا، ولا زايًا, لأنّهما كالسين، إذ ليس بينهما، إلَّا أن الزاي مجهورة، والسين مهموسة، والصاد مطبقة، والسين منفتحة. فلو قلبوها صادًا أو زايًا، لصارتا كالسينَيْن، فاستُثقل.
والذي يدلّ على شذوذه أنّه لو كان يلزم الادغامُ في "سدس"، لوقوع الدال الساكنة بين السينين، للزم أن يقال في "سُدْس الشيء": "سِتٌّ" وفي "سدس" من أَظماء الإبل: "سِتٌّ". وذلك ممّا لا يقوله أحدٌّ، فعُلم أن ادغام "سِتّ" إنما هو على سبيل الشذوذ.
ويدل أن أصلَ "سِتَّةٍ": "سِدْسَةٌ" بالدال، أنّك تقول في التصغير:"سُدَيْسَةٌ"، وفي الجمع:"أَسْداسٌ". والتصغيرُ والتكسيرُ ممّا يُرَدّ فيه الأشياء إلى أصولها.
ومن ذلك "وَدٌّ"، اْصله:"وَتِدٌ". وهي اللغة الحجازية، ولكنّ بني تميم أسكنوا التاء