للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ادُّغم، أدخلتَ ألف الوصل ضرورةَ الابتداء بالساكن، فقلت: "اطَّيَّرَ زيدٌ"، وكان الأصل: "تَطَيَّرَ"، فأسكنتَ التاء. ولم يجز أن تبتدىء بساكنٍ، فأدخلتَ ألفَ الوصل.

وكذلك "ازَّيَّنَ زيدٌ"، إذا أردت: "تَزَيَّنَ". فدخولُ الألف كسقوطها من "اقْتَتَلُوا" إذا قلت: "قَتَّلُوا"، بالتحريك. تُسْقِطها من "اقتتلوا" كما أنّ الإسكان يجلبُها ههنا.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} (١). إنّما كان "تَدارَأْتُمْ"، فادّغمتَ التاء في الدال؛ فاحتجتَ إلى همزة الوصل لاستحالة الابتداء بساكن. قال الله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} (٢)، وقال: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} (٣). والأصلُ: "تَثاقلتم". وتقول في المستقبل: "تَدارَأُ"، و"تَطَيَّرُ". قال الله تعالى: {تَذَكَّرُونَ} (٤) و {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى} (٥).

ولا تدغم تاء المضارعة في هذه الحروف، فلا تقول في "تَذَكَّرُونَ": "اِذَّكَّرُونَ"، ولا في "تَدَّعُونَ": "ادَّعُونَ"؛ لأن ألف الوصل لا تدخل الأفعالَ المضارعةَ، لأنّها في معنى أسماء الفاعلين، فكما لا تدخل ألفُ الوصل أسماء الفاعلين، كذلك لا تدخل المضارع؛ لأنّه بمنزلتها؛ لأنّ ألف الوصل بابُها الأفعالُ الماضيةُ، نحو: "انْطلق"، و"اقْتدر"، و"اسْتخرج". ولم تدخل إلا في أسماء معدودة، وذلك بالحمل على الأفعال، ولأنّك لو ادّغمت في الفعل المضارع، لزال لفظُ الاستقبال، فكان يختلّ. فإن اجتمع إلى تاء "تَفعَّل"، و"تَفاعل" تاء أخرى إمّا للمذكّر المخاطَب، أو للمؤنّثة الغائبة، نحو قولك: "تَتَكَلَّمُ"، و"تَتَغافَلُ"، فإنّك تحذف إحدى التائَيْن، فتقول: "يا زيدُ لا تَكَلَّمْ"، و"يا عمرو لا تَغافَلْ"؛ لأنّه لمّا اجتمع المثلان، ثقُل عليهم اجتماعُ المثلين، ولم يكن سبيلٌ إلى الادغام؛ لِما يؤدّي إليه من سكون الأوّل. ولم يمكن الإتيانُ بالألف للوصل لما ذكرناه، فوجب حذفُ أحدهما على ما قدّمناه. قال الله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} (٦)، وقال عزّ وعلا: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ} (٧)، وقال: {وَلَا تَوَلَواْ عَنْهُ} (٨). والمراد: "تتنزّل"، و"تتمنّون". و"تتولّوا".

وقد اختلف العلماء في المحذوفة، فذهب سيبويه (٩) والبصريون إلى أنّ المحذوفة هي الثانية، وقال بعض الأصحاب: المحذوفة الأُولى، قالوا: ويجوز أن تكون الثانية.

والحجّةُ لسيبويه أن الثانية هي التي تسكن، وتدغم في "ازَّيَّنْت"، و"ادَّارَأْتُمْ".


(١) البقرة: ٧٢.
(٢) النمل: ٤٧.
(٣) التوبة: ٣٨.
(٤) الأنعام: ١٥٢ وغيرها.
(٥) الأعراف: ١٣١.
(٦) القدر: ٤.
(٧) آل عمران: ١٤٣.
(٨) الأنفال: ٢٠.
(٩) الكتاب ٤/ ٤٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>