للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشارح: اعلم أن "أمْسِ" ظرف من ظروف الزمان أيضًا، وهو عبارة عن اليوم الذي قبلَ يومك الذي أنت فيه، ويقع لكلّ يوم من أيام الجُمْعة. وللعرب فيه خِلافٌ، فأهلُ الحجاز يبنونه على الكسر، فيقولون: "فعلتُ ذاك أَمْسِ"، و"مضى أمسِ بما فيه". واحتجّ أبو العباس وأبو بكر بن السَّراج بأنه مبهمٌ، ووقع في أول أحواله معرفة، فمعرفتُه قبل نكرته، فجرى مجرى "الآنَ". والصوابُ أنه إنما بُني لتضمنه لام المعرفة، وبها صار معرفة، والاسمُ إذا تضمن معنى الحرف، بُني. وكان حقُه تسكينَ الآخِر على ما يقتضيه البناء، وإنما التقى في آخِره ساكنان، وهما السين والميمُ قبلها، فكُسرت السين لالتقاء الساكنين.

فإن قيل: فلِمَ حُذفت اللام من "أمس"، وضُمن معناها، وأُلْزِمت "الآنَ"، وهما سواء في التعريف والظرفية؟ قيل: لأن "أمس" يقع على اليوم المتقدّم ليومك من أوله إلى آخِره، فأمرُه واضحٌ، فاستغنى بوُضوحه عن علامة التعريف، وليس كذلك "الآنَ"؛ لأنه الحَدّ الفاصل بين الزمانَيْن، وهو من أَلْطَفِ ما يُدرَك، فلم يستغن لذلك عن علامةِ تكون فيه.

فإن قيل: ولِمَ وجب تعريفُ "أمس"، ولم يجب تعريفُ "غَدٍ"، وهما سَواء، فـ "أمس" اسم لليوم الذي قبل اليوم الذي أنت فيه, و"غَد" اسم لليوم الذي يَلِي اليومَ الذي أنت فيه؟ فالجواب أن "أمس" قد حضر وشوهد، فحصلت معرفتُه بالمشاهدة، فأغنى ذلك عن علامة، وليس كذلك "غد"، فأقاموا المشاهدةَ في "أمس" مقامَ أداة التعريف. ولم يكن في "غد" مثلُ ذلك ما يقوم مقامَ علامة التعريف، فهو نكرة حتى تدخل عليه العلامةُ المُعرفةُ.

وأما بنو تميم، فيعربونه ويجعلونه معدولاً عن اللام، فاجتمع فيه التعريف والعدلُ، فيُمنعُ من الصرف لذلك، فيقولون: "مضى أمسُ بما فيه"، بالرفع من غيرِ تنوين، و"فعلتُه أمسَ" بالنصب، قال الراجز، أنشده سيبويه:

لَقَدْ رأيتُ عَجَبًا مُذْ أَمْسَا ... عَجائِزًا مِثْلَ السعالِي خَمْسَا

يَأْكُلْنَ ما في رَحْلهن نَهْسَا ... لا تَرَكَ الله لَهُن ضِرْسَا

الشاهد فيه أنه خفض بـ"مُذْ"، واعتقد فيها الحرفيةَ، والفتحةُ علامةُ الخفض. والفرق بين المعدول عن الحرف والمتضمّن له، أنك إذا عدلتَ عن الحرف، جاز لك إظهارُه واستعمالُه، وإذا ضمنتَه إياه، لم يجز إظهارُه. ألا ترى أنه لا يجوز إظهارُ همزة الاستفهام مع "أيْنَ" و"كَيْفَ" ونظائرِهما؟ وقد حكى بعضهم أن من العرب من يعتقد فيه التنكيرَ، ويعربه، ويصرفه، ويُجْريه مُجْرى الأسماء المتمكنة، فيقول: "مضى أمس بما فيه" على التنكير، وهو غريب في الاستعمال دون القياس، فاعرفه.

[" قطّ "و"عوض"]

قال صاحب الكتاب: "قَط"، و"عَوضَ"، وهما لزماني المُضِي والاستقبالِ على

<<  <  ج: ص:  >  >>