للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الله تعالى: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} (١). فقوله: "لا تخاف دركًا ولا تخشى" في موضع الحال، فأتَى بالواو في موضع، ولم يأت بها في موضع. فإذا أُتي بها فِلشَبَهِ الجملة الفعليّة بالاسميّة لمكان حرف النفي، ومن لم يأت بها، فلأنّه فعلٌ مضارعٌ.

[فصل [الجملة الحالية والعائد]]

قال صاحب الكتاب: "ويجوز إخلاء هذه الجملة عن الراجع إلى ذي الحال إجراء لها مجرى الظرف لانعقاد الشبه بين الحال وبينه، تقول: "أتيتك وزيد قائم"، ولقيتك الجيش قادم، وقال [من الطويل]:

وقد أغتدي والطير وكناتها" (٢)

* * *

قال الشارح: قد تقدّم القول: إِنّ الغرض من الضمير في الجملة الحاليّة رَبْطُها بما قبلها، فإذا وُجد إمّا الواو، وإمّا الضميرُ، وُجد ما حصل به الغرض. وقوله: "إجراءً لها مُجْرَى الظرف"، فيعني بالظرف "إذْ"، وقد شبّه سيبويه واوَ الحال بـ "إذْ" وقدّرها بها. وذلك من حيث كانت "إذْ" منتصِبةَ الموضع، كما أنّ الواو منتصبةُ الموضع، وأنّ ما بعد "إذ" لا يكون إلاّ جملةً كما أنّ الواو كذلك. وكلُّ واحد من الظرف والحال يقدَّر بحرف الجر، فإذا قلت: "جاء زيدٌ وسيفه على عاتقه"، كأنّك قلت: "جاء زيد في هذه الحال"، والحالُ مفعولٌ فيها كما أنّ الظرف كذلك. فكما أنّ الجملة بعد "إذْ" لا تفتقر إلى ضمير يعود إلى ما قبلها، فكذلك ما بعد الواو، وهذا معنى قوله: "لانعقاد الشَّبَه بينهما".

[فصل [حذف عامل الحال]]

قال صاحب الكتاب: "ومن انتصاب الحال بعامل مضرم قولهم للمرتحل: "راشداً مهدياً ومصاحباً معاناً بإضمار إذهب وللقادم: مأجوراً مبروراً", أي رجعت,


= "سلت": فعل ماضٍ مبني للمجهول، مبني على الفتح الظاهر في آخره، والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها من الإعراب. وحركت بالكسر للضرورة الشعرية، والفاعل: ضمير مستتر جوازًا تقديره هي. وجملة "لم يشيموا": في محل جر صفة لـ "رجال". وجملة "ولم يكثر": في محل نصب حال. وجملة "سلت": في محل جر بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "ولم يكثر القتلى": الواو هنا حالية، ولو قدرت للعطف لانقلب المدح ذمًا، وهذا مبني على أن معنى "لم يشيموا سيوفهم" لم يعيدوها إلى أغمادها، يريد أنهم لم يعيدوها إلى أغمادها في حال عدم كثرة القتلى، فيكون الثابت لهم إدخال السيوف في أغمادها حال كثرة القتلى، وهذا مدح أي مدح، وهذا مبني على جعل الواو للحال.
(١) طه: ٧٧.
(٢) تقدم بالرقم ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>