للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: "من رجل تهام" كقوله: "رجلًا"؛ لأنّ "من" تدخل على التمييز، وذلك كلّه من ضرورة الشعر، فاعرفه.

فصل [فاعل "نِعْم" ومميزه في قوله تعالي: {فنعمّا هي}]

قال صاحب الكتاب: وقوله تعالى: {فنعما هي} (١): "نعم" فيه مسند إلى الفاعل المضمر، ومميزه "ما", وهي نكرة لا موصولة ولا موصولة، والتقدير فنعم شيئاً هي.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ "ما" قد تستعمل نكرةً تامّةً غير موصوفة، ولا موصولة على حدّ دخولها في التعجّب، نحوِ: "ما أحسن زيدًا"، والمراد: "شيءٌ أحسنه"، ولذلك من الاستعمال قد يفسّر بها المضمرُ في باب "نعم"، كما يفسّر بالنكرة المحضة، فيقال: "نعم ما زيدٌ"، أي: "نعم الشيءُ شيئًا زيدٌ". وقوله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} (٢)، فـ "ما" هنا بمعنى شيء، وهي نكرة في موضع نصب على التمييز مُبيَّنة للضمير المرتفع بـ"نعم"، والتقدير: "نعم شيئًا هي"، أي: نعم الشيءُ شيئًا هي. فـ "هِيَ" ضميرُ "الصدقات"، وهو المقصود بالمدح. ومثله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} (٣)، فـ "ما" في موضع نصب تمييز للمضمر، و"يعظكم به" صفة للمخصوص بالمدح، وهو محذوف، والتقدير: "نعم الشيءُ شيئًا يعظكم به"، أي: نعم الوَعْظُ وعظًا يعظكم به. وحذف الموصوف على حدّ قوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (٤) والمعنى: قوم يحرّفون، {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} (٥)، أي: قوم.

وكان الكسائيّ يجيز "نعم الرجلُ يقومُ، وقامَ، وعِنْدَكَ"، والمراد: رجلٌ يقوم، ورجلٌ قام، ورجلٌ عندك. ومنع ابنُ السرّاج من ذلك وأباه، واحتجّ بأن الفعل لا يقوم مقام الاسم، وإنما تُقام الصفاتُ مقام الأسماء لأنها أسماءٌ يدخل عليها ما يدخل على الأسماء، وإن جاء من ذلك شيءٌ، فهو شاذّ عن القياس، فسبيلُه أن يُخفَظ ولا يُقاس عليه.

[فصل [مذهبا رفع الاسم المخصوص]]

قال صاحب الكتاب: وفي ارتفاع المخصوص مذهبان: أحدهما أن يكون مبتدأ خبره ما تقدمه من الجملة، كأن الأصل "زيدٌ نعم الرجل" والثاني أن يكون خبر مبتدأ


(١) البقرة: ٢٧١.
(٢) البقرة: ٢٧١.
(٣) النساء: ٥٨.
(٤) النساء: ٤٦.
(٥) التوبة: ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>