للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أصناف الحرف حروفُ الصِّلة

[فصل [تعدادهما]]

قال صاحب الكتاب: وهي "إن", و"أن", و"ما", و"لا", و"من" والباءُ في نحو قولك: "ما إن رأيت زيداً". والأصل: "ما رأيت", ودخول "إن" صلة أكدت معنى النفي. قال دريد [من الكامل]:

ما إن رأيت ولا سمعت به ... كاليوم هانيء أينقٍ جرب (١)

وعند الفراء أنهما حرفا نفي, ترادفا كترادف حرفي التوكيد في "إن زيداً لقائمٌ", وقد يقال: "انتظرني ما إن جلس القاضي"، أي: ما جلس بمعنى: "مدة جلوسه".

* * *

قال الشارح: يريد بالصلة أنها زائدة. ويعني بالزائد: أن يكون دخوله كخروجه من غير إحداثٍ معنى. والصلةُ والحَشوُ من عبارات الكوفيين، والزيادةُ والإلغاءُ من عبارات البصريين. وجملةُ الحروف التي تزاد هي هذه الستةُ التي ذكرها: "إنْ"، مكسورةَ الهمزة، و"أنْ" مفتوحةَ الهمزة، و"ما"، و"لا"، و"مِن"، والباءُ.

وقد أنكر بعضهم وقوعَ هذه الأحرف زوائدَ لغيرِ معنى، إذ ذلك يكون كالعَبَث، والتنزيلُ مُنزه عن مثل ذلك. وليس يخلو إنكارُهم لذلك من أنهم لم يجدوه في اللغة أو لما ذكروه من المعنى. فإن كان الأوّلُ، فقد جاء منه في التنزيل والشعر ما لا يُحصَى على ما سنذكره في كل حرف منها. وإن كان الثاني، فليس كما ظنّوا؛ لأنّ قولنا: "زائدٌ" ليس المراد أنّه قد دخل لغير معنى ألبتة، بل يزاد لضرب من التأكيد. والتأكيدُ معنى صحيح. قال سيبويه (٢) عقيبَ {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} (٣) ونظائَرِه. فهو لَغوٌ من حيث إنها لم تُحدِث شيئًا لم يكن قبلَ أن تجيء من المعنى، سوى تأكيد الكلام.


(١) تقدم بالرقم ٧٨٧.
(٢) الكتاب ١/ ١٨٠ - ١٨١.
(٣) النساء: ١٥٥، والمائدة: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>