قال صاحب الكتاب: ولا يُتصرف في الجملة التعجبية بتقديم, ولا تأخير, ولا فصل, فلا يقال:"عبد الله ما أحسن"، ولا:"ما عبد الله أحسن"، ولا "بزيد أكرم"، ولا "ما أحسن في الدار زيدًا"، ولا "أكرم اليوم بزيد". وقد أجاز الجرمي الفصل, وغيره من أصحابنا. وينصرهم قول القائل:"ما أحسن بالرجل أن يصدق! ".
* * *
قال الشارح: صيغة التعجّب تجري على منهاج واحد لا يختلف، فلا يجوز تقديم المفعول فيه على "ما" ولا على الفعل، فلا يجوز:"زيدًا ما أحسن"، ولا "ما زيدًا أحسن"، كما يجوز ذلك في غير التعجّب من نحوِ:"زيدًا عبدُ الله أكرم"، و"عبدُ الله زيدًا أكرم". ذلك لضُغفِ فعل التعجّب، وغَلَبَةِ شَبَه الاسم عليه لجواز تصغيره، وتصحيح المعتل منه من نحوِ "ما أُمَيلحَهُ! " و"ما أقْوَمَهُ! " فأمّا الفصل بين فعل التعجّب والمتعجَّب منه بظرفٍ أو نحوِه، فمختلَفٌ فيه. فذهب جماعةٌ من النحويين المتقدمين وغيرهم كالأخفش والمبرد إلى المنع من ذلك، واحتجّوا بأن التعجّب يجري مجرى الأمثال للزومه طريقة واحدةً، والأمثالُ الألفاظُ فيها مقصورة على السماع، نحوُ قولهم:"الصيفَ ضيّعتِ اللبنَ" يُقال ذلك بلفظ التأنيث، وإن كان المخاطب مذكّرًا.
وذهب آخرون كالجَرْمي وغيره إلى جواز الفصل بالظرف، نحوِ قولك:"ما أحسن اليومَ زيدًا! " و"ما أجمل في الدار بكرًا! " واحتجّوا بأن فعل التعجّب وإن كان ضعيفًا، فلا ينحطّ عن درجةِ "إنَّ" في الحروف. وأنت تجيز الفصل في "إنَّ" بالظرف من نحوِ: "إنّ في الدار زيدًا"، و"لَيتَ لِي مِثلَك صديقًا". وإذا جاز ذلك في الحروف، كان في الفعل أجْوَزَ، وإن ضَعُفَ؛ لأنه لا يتقاصر عن الحرف. فأمّا سيبويه فلم يُصرِّح في الفعل بشيء، وإنما صرّح بمَنْع التقديم، فقال: ولا يجوز أن تُقدِّم "عبد الله"، وتؤخر "ما"، ولا أن تُزيل شيئًا عن موضعه، فظاهرُ اللفظ أنه أراد تقديمَ "ما" في أوّل الكلام، وإيلاء الفعل وتأخيرَ المتعجَّب منه بعد الفعل، ولم يتعرض للفصل بالظرف.
وقولهم:"ما أحسنَ بالرجل أن يَصْدُقَ"، فشاهد على جواز الفصل, لأنّ "أن يصدق" في موضع المفعول المتعجَّب منه، وقد فصل بالجاز والمجرور الذي هو "بالرجل" بينه وبين الفعل. والجوابُ عنه أن هذا، وإن كان قد ورد عن العرب، فقد فارق ما نحن فيه. وذلك أن التعجّب، وإن كان واقِعًا في اللفظ على "أتى" وصلتِها، فيرجع التعجّبُ في المعنى إلى "الرجل" المجرور، وذلك أنّ "أنْ" وصلتها مصدرٌ، والمصادرُ واقعةٌ من فاعليها، والمدحُ والذمّ إنما يلحقان الفاعلين. فلمّا كان يرجع التعجّبُ إلى "الرجل"، لم يقبح الفصلُ به إذ كان المستحق أن يلي فعلَ التعجّب في الحقيقة.