للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: "الضُّحَى": مقصورًا حين تُشرِق الشمسُ، وهو جمعُ "ضَحْوَةٍ"، كقَرْيَةٍ وقُرًى. والقياسُ يأبى الإمالةَ؛ لأنّه من الواو، وليس فيه كسرةٌ، وإنّما أمالوه حين قُرن بـ "جَلاَّها"، و"يَغْشَاها"، وكلاهما ممّا يمال؛ لأنّ الألف فيهما من الياء؛ لقولك: "جَلَّيْتُه". وكذلك ألفُ "يَغْشَى"؛ لقولك في التثنية: "يَغْشَيان"، فأرادوا المشاكلةَ. والمشاكلةُ بين الألفاظ من مطلوبهم، ألا ترى أنهم قالوا: "أَخَذَهُ ما قدُم وما حدُث" (١)، فضمّوا فيهما. ولو انفرد، لم يقولوا إلَّا: "حَدَثَ" مفتوحًا، ومنه الحديثُ: "ارْجِعْنَ مَأْزُوراتٍ غيرَ مَأْجُوراتٍ" (٢)، والأصلُ: "مَوْزورات"، فقلبوا الواو ألفًا مع سكونها لتُشاكِل "مأجورات"، ولو انفرد لم يُقْلَب. وكذلك "الضُحَى" إذا انفرد لم يُمَلْ، وإنّما أُميل لازدواج الكلام حين اجتمع مع ما يمال، فاعرفه.

[فصل [إمالة الفتحة]]

قال صاحب الكتاب: وقد أمالوا الفتحة في قولهم: "من الضرر" و"من الكبر" و"من الصغر" و"من المحاذر".

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ الفتحة قد تمال كما تمال الألف؛ لأنّ الغرض من الإمالة مشاكلةُ الأصوات، وتقريبُ بعضها من بعض. وذلك موجودٌ في الحركة كما هو موجود في الحرف؛ لأنّ الفتحة من الألف. وقد كان المتقدّمون يسمّون الفتحة الألفَ الصغيرةَ، والضمّة الواو الصغيرة؛ والكسرة الياء الصغيرة؛ لأنّ الحركات والحروفَ أصواتٌ. وإنّما رأى النحويون صوتًا أعظمَ من صوت، فسمّوا العظيمَ حرفًا، والضعيفَ حركةً، وإن كانا في الحقيقة شيئًا واحدًا، فلذلك دخلت الإمالةُ في الحركة كما دخلت الألف، إذ الغرضُ إنّما هو تجانسُ الصوت، وتقريبُ بعضها من بعض. فكلُّ ما يوجب إمالةَ الألف يوجب إمالة الحركة التي هي الفتحةُ، وما يمنع إمالةَ الألف يمنع إمالة الفتحة. وأكثرُ ما جاء ذلك مع الراء المكسورة؛ لأنّ الراء حرفٌ مكرّرٌ لا نظيرَ له، وله أحكامٌ قد ذُكرتْ ينفرد بها، فلذلك تقول: "من الكِبَرِ"، و"من الصَّغَرِ"، فأمالوا الفتحة بأن أجنحوها إلى الكسرة، فصارت بين الفتحة وبين الكسرة، كما فعلوا ذلك بالفتحة التي قبل الألف في "عِمادِ" و"كِتابٍ" حين أرادوا إمالة الألف وهذه الراء المكسورةُ تغلب على المستعلي إذا وقع


(١) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في زهر الأكم ١/ ٦٨؛ والمستقصى ١/ ٩٧.
ومعناه: أنّ الإنسان يكون حزنه قديمًا وحديثًا، وقريبًا وبعيدًا، فهو لشدّة اغتمامه كأنّما أخذته هذه الأنواع مجتمعة عليه. يُضرب للمغتاظ والذي يُفرط اغتمامه.
(٢) تقدّم تخريج هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>