قال صاحب الكتاب:"هو المصدر, سمي بذلك لأن الفعل يصدر عنه, ويسميه سيبويه الحدث والحدثان (١) , وربما سماه الفعل, وينقسم إلى مبهم, نحو: "ضربت ضربًا", وإلى موقَّت, نحو: "ضربتُ ضربةً وضربتين"".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ المصدر هو المفعول الحقيقي لأن الفاعل يُحْدِثه ويُخْرِجه من العَدَم إلى الوجود، وصِيغَة الفعل تدلّ عليه، والأفعال كلها متعدّيةٌ إليه سواء كان يتعدّى الفاعل أو لم يتعدَّه، نحو:"ضربتُ زيدًا ضَرْبًا"، و"قام زيدٌ قِيامًا". وليس كذلك غيرُه من المفعولين، ألا ترى أنَّ زيدًا من قولك:"ضربتُ زيدًا" ليس مفعولًا لك على الحقيقة، وإنّما هو مفعولٌ لله سُبحانَه، وإنّما قيل له: مفعولٌ على معنى أن فعْلك وقع به، وإنما سُمْي مصدرًا لأنّ الفعل صدر عنه، وأُخذ منه، ولهذا قيل للمكان الذي يصدُر عنه الإبل بعد الريّ: مصدرٌ، كما قيل: مَوْرِدٌ لمكان الورود، ويسمّيه سيبويه الحَدَث والحدَثَان، وذلك لأنّها أحداثُ الأسماء التي تُحْدِثها، والمراد بالأسماء: أصحابُ الأسماء، وهم الفاعلون، وربّما سمّاه الفِعْلَ من حيثُ كان حركة الفاعل.
واعلم أنّ الأفعال مشتقّةٌ من المصادر كما أن أسماء الفاعلين والمفعولين مشتقَّةٌ منها، ولذلك قال: لأن الفعل صدر عنه، وإنّما قلنا ذلك لأنّ المصادر تختلف كما يختلف سائرُ أسماء الأجناس، ألا تراك تقول:"ضربتُ ضَرْبًا"، و"ذهبتُ ذَهابًا"، و"قعدتُ قُعُودًا"، و"كذبتُ كِذابًا"، ولم تأتِ على منهاج واحد، ولو كانت مشتقَّةً من الأفعال، لَجَرَتْ على سنن واحد في القياس، ولم تختلف كما لم تختلف أسماء الفاعلين والمفعولين؟ ألا ترى أن الفاعل من الثُّلاثيّ يأتي على "فاعلٍ" لا يختلف، نحو: ضَرَبَ فهو ضارِبٌ، وقتل فهو قاتلٌ، ومن