قال صاحب الكتاب:"هي كما ذكرتُ محمولة على "إن"، فلذلك نُصب بها الاسمُ ورُفع الخبر. وذلك إذا كان المنفي مضافًا، كقولك: "لا غلامَ رجل أفضلُ منه"، و"لا صاحبَ صِدْقٍ موجودٌ"؛ أو مُضارعًا له، كقولك: "لا خيرًا منه قائمٌ هنا"، و"لا حافظًا للقُرْآن عندك"، و"لا ضاربًا زيدًا في الدار", و"لا عشرين درهمًا لك"".
* * *
قال الشارح: اعلم أنّ "لا" من الحروف الداخلة على الأسماء والأفعالِ، فحكمُها أنّ لا تعمل في واحد منهما، غيرَ أنّها عملتْ في النكرات خاصّةً لعلّةٍ عارضةٍ، وهي مضارعتُها "إنَّ"، كما أُعملتْ "مَا" في لغةِ أهل الحجاز لمضارعتها "لَيْسَ". والأصلُ أنّ لا تعمل، وقد تقدّم الكلامُ عليها، وبيانُ مضارعتها لـ "أَنَّ"، وذكرنا أنَّ حكمَ النكرة المفردة بعد "لا" البناءُ على الفتح، نحوَ:"لا رجلَ عندك، ولا غلامَ لك"، وهي حركةُ بناءٍ نائبةٌ عن حركةِ الإعراب، وأوْضحنا الخلافَ فيه في فصل المرفوعات بما أغنى عن إعادته.
فإن كانت النكرةُ بعد "لا" مضافةً، أو مشابِهةٌ للمضاف، تَبيّنَ النصبُ، فظهر الإعرابُ، فالنكرةُ المضافةُ قولك:"لا غلامَ رجلٍ لك"، و"لا صاحبَ صِدْقٍ موجودٌ" من قِبَل أنّ الإضافة تُبْطِل البناءَ، لانّك لو بنيتَ نحوَ "لا غلام رجل"، لَجعلتَ ثلاثةَ أشياءَ بمنزلةِ شيء واحد. وذلك مُجْحِفٌ معدومٌ، ألا ترى أنّك لا تجِد اسمَيْن جُعِلا اسمًا واحدًا، وأحدُهما مضافٌ. إنما يكونان مفردَيْن، كـ "حَضْرَمَوْت"، و"خمسةَ عشرَ"، و"بَيْتَ بَيْتَ"، فهما كالشيء الواحد، ألا ترى أنّ قولهم:"يا ابنَ أُمَّ" لمّا جُعل "أُمِّ" مع "ابن" اسمًا واحدًا، حُذفت ياءُ الإضافة.
والنكرة المشابِهة للمضاف قولُك:"لا خيرًا من زيدٍ"، و"لا ضاربًا زيدًا"، و"لا حافظًا للقرآن" و"لا عشرين درهمًا"، فهذه الأسماء مشابهةٌ للمضاف، وجاريةٌ مجراه، لأنّها عاملةٌ فيما بعدها كما أنّ المضاف عاملٌ فيما بعده. والمعمولُ من تَمام المضاف، فقولُك "من زيدٍ" من تمامِ "خير", لأنّه موصولٌ به، و"زيدًا" من تمامِ "ضاربًا"؛ لأنه مفعوله، و"للقرآن" في موضع مفعول "حافظًا"، و"درهمًا" من تمام "عشرين" لأنّه