للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منتصِبٌ به. فانتصابُ النكرة المضافة بعد "لا" انتصابٌ صريحٌ، كانتصابها بعد "إنَّ". ويدلّ على ذلك قولُهم: "لا خيرًا من زيدٍ". فكما انتصب "خيرٌ"، وثبت فيه التنوينُ ثَباتَه في المُعْرَب، كذلك تكون الفتحةُ في "لا غلامَ رجلٍ" فتحةَ إعراب لا فتحةَ بناء، لامتناعِ بناءِ المضاف مع غيره، وجَعْلِهما كالشيء الواحد. فعلى هذا تقول: "لا مُرُورَ بزيد" إن جعلتَ الجارّ والمجرور خبرًا، وعلّقتَه بمحذوفٍ، كان المرورُ مبنيّا مع "لا"، ولا يجوز تنوينُه، وكان تقديرُه: لا مرورَ ثابتٌ أو واقعٌ بزيدٍ.

وإن علّقتَ الجارّ والمجرور بنفسِ المرور، كان من صلته، وكان منصوبًا معرَبًا، ووجب تنوينُه، وأضمرتَ الخبرَ، ويكون تقديره: لا مرورًا بزيدٍ واقعٌ، أو موجودٌ. وإن شئت أظهرتَه، وقوله تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (١) من قبيل: "لا رجل في الدار"، فالجار والمجرور الذي هو"من أمر الله" في موضع رفع بأنّه الخبرُ، ويتعلّق بمحذوفٍ، والظرفُ يتعلق به، وقد تقدّم عليه. وتقديرُه: لاَ عاصمَ كائنٌ من أمر الله اليومَ، ومثله قوله تعالى: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (٢). فقوله: {عَلَيْكُمُ} في موضع الخبر، وتعلُّقُه بمحذوفٍ، و"اليومَ" متعلّقٌ بالجارّ والمجرور. وأمّا قوله: {لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} (٣)، فيحتمل أن يكون من قبيلِ "لا رجلَ في الدار"، ويكون الظرفُ متعلِّقًا بالجارّ والمجرور، وقد تقدّم عليه، والجارُّ والمجرور في موضع الخبر، ويكون "بُشْرَى" مبنيًّا مع "لا". ويحتمل أنّ يكون من قبيلِ "لا خيرًا من زيد"، ويكون الظرفُ متعلّقًا بـ "بُشْرى"، منصوبًا في تقدير المنوَّن، إلّا أنّه لا ينصرِف لمكانِ ألفِ التأنيث المقصورة فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: "فإذا كان مفرَدًا، فهو مفتوحٌ، وخبرُه مرفوغعٌ كقولك: "لا رجلَ أفضلُ منك" و "لا أحدَ خيرٌ منك". ويقول المستفتِحُ: "ولا إلهَ غيرُك"".

* * *

قال الشارح: إذا قلت: لا رجلَ أفضلُ منك"، و"لا أحدَ خيرٌ منك"، و"لا إلهَ غيرُك"، كان مبنيًّا مفتوحًا لوجُودِ علّةِ البناء، وهو تضمُّنُه معنى الحرف الذي هو"مِنْ" على ما تقدّم، إذ المرادُ العمومُ واستغراقُ الجنس، ولم يُوجَد ما يمنع من البناء، فأمّا المضاف والمشابِهُ له نحو: "لا غلامَ رجل عندك"، و"لا خيرًا من زيدٍ في الدار"، فإنّه، وإن كانت العلّةُ المقتضِيةُ للبناء موجودةً، وهي تضمُّنُه معنَى "مِنْ"، فإنّه وُجد مانعٌ من البناء، وهو الإضافةُ، وطُولُ الاسم، فعَدَمُ البناء فيهما لم يكن لعدمِ تمكُّنه، بل لوجود مانعٍ منه.

* * *


(١) هود: ٤٣.
(٢) يوسف: ٩٢.
(٣) الفرقان: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>