للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل [تأكيد النكرة بـ"كلّ" و "أجمعون"]

قال صاحب الكتاب: ولا يقع كل وأجمعون تأكيدين للنكرات, لا تقول: رأيت قوماً كلهم, ولا أجمعين وقد أجاز ذلك الكوفيون (١) فيما كان محدوداً كقوله [من الرجز]:

٤١٢ - قد صرت البكرة يوماً أجمعاً

* * *

قال الشارح: اعلم أنّ النكراتِ لا تُؤكَّد بالتأكيد المعنويّ، وإنّما تؤكد بالتأكيد اللفظيّ لا غيرُ، لو قلت: "أكلتُ رغيفًا كلَّه"، أو"قرأتُ كتابًا أجمعَ"، لم يجز، وإنَّما تقول: "أكلت رغيفًا رغيفًا"، أو"قرأت كتابًا كتابًا". وإنَّما لم تؤكَّد النكرات بالتأكيد المعنويّ؛ لأنّ النكرة لم يثبُت لها حقيقةٌ، والتأكيدُ المعنوي إنّما هو لتمكينِ معنَى الاسم، وتقريرِ حقيقته. وتمكينُ ما لم يثبت في النفس مُحالٌ. فأمّا التوكيدُ اللفظي، فهو أمرٌ راجعٌ إلى اللفظ، وتمكينِه من ذِهْنِ المخاطب، وسَمْعِه خَوْفًا من توهُّمِ المجاز، أو توهُّمِ غَفْلَة عن استماعه. فاللفظُ هو المقصود في التأكيد اللفظيّ، فأمّا المعنوي، فإنّما المرادُ منه الحقيقةُ، ولذلك أُعيد المعنى في غيرِ ذلك اللفظ.

وأمرٌ آخرُ أنّ الألفاظ التي يُؤكَّد بها في المعنى مَعارفُ، فلا تتبَع النكراتِ توكيدًا لها؛ لأنّ التوكيد كالصفة.

وذهب الكوفيون إلى جوازِ تأكيدِ النكرة بالتأكيد المعنويّ إذا كانت النكرة محدودةٌ، أي: معلومةَ المِقدار، نحوَ: "يوم"، و"شَهْر" و"فَرْسَخ" و"مِيل" و"ضَرْبَة"


(١) انظر المسألة الثالثة والستين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ٤٥١ - ٤٥٦.
٤١٢ - التخريج: الرجز بلا نسبة في أسرار العربيّة ص ٢٩١؛ والإنصاف ٢/ ٤٥٥؛ وخزانة الأدب ١/ ١٨١، ٥/ ١٦٩؛ والدرر ٦/ ٣٩؛ وشرح الأشموني ٢/ ٤٠٧؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٥٦٥؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٩٥؛ والمقرب ١/ ٢٤٠؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٢٤.
اللغة: صرّت: صوّتت. البكرة: ما يستقى عليها من البئر.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "صرّت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث. "البكرة": فاعل مرفوع. "يومًا": ظرف زمان منصوب متعلّق بـ"صرّ". "أجمعا": توكيد معنوي لـ "يومًا" منصوب، والألف: للإطلاق. وجملة "صرّت" ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب
والشاهد فيه قوله: "يومًا أجمعا" حيث أكد النكرة المحدودة بـ "أجمعا"، وهذا هو مذهب المدرسة الكوفيّة، والمدرسة البصريّة تأباه.

<<  <  ج: ص:  >  >>