للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن يكون الفعل الآخِر شريكًا للأول داخلاً معه في النفي، كأنّك قلت: ما تأتينا، وما تحدّثُنا، فهما جملتان مَنفِيتان.

والوجه الثاني: أن يكون معنى: "ما تأتينا فتحدّثُنا"، أي: ما تأتينا فأنت تحدّثُنا، كقولك: "ما تُعْطِيني، فأشكرُك"، أي: ما تعطيني، فأنا أشكرك على كلّ حال. ومثلُه في الجزم: "لم تُعْطِني فأشكرُك"، أراد: لم تعطني، فيكون شكرٌ. فإن أراد العطف على الأول؛ قال: "لم أُعْطِك، فتشكرْني" بالجزم؛ فأمّا قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} (١)، فهو على قولك: "لا تأتيني، فأُعْطِيَك"، على أن تكون "لا" نافية، أي: لو أتيتَني، لأعْطَيْتُك؛ فأمّا قوله تعالى: {يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٢) فالرفعُ لا غير؛ لأنه لم يجعل "فيكون" جوابًا من هذا الباب؛ لأنه ليس ها هنا شرط.

فصل [ظهور "أنْ" مع لام "كي"]

قال صاحب الكتاب: ويمتنع إظهار "أن" مع هذه الأحرف، إلا اللام إذا كانت لام "كي"، فإن الإظهار جائز معها، وواجب إذا كان الفعل الذي تدخل عليه داخلة عليه "لا"، كقولك: "لئلا تعطيني"؛ وأما المؤكدة فليس معها إلا التزام الإضمار.

* * *

قال الشارح: قد تقدّم الكلام على هذه الحروف، وأنَّها ليست الناصبة بأنفسها، وإنما النصب بإضمار "أن" بعدها، وأتينا على العلّة في امتناع ظهور "أنْ" بعدها؛ فأما اللام، فإن الفعل ينتصب بعدها بإضمار "أنْ"، كقوله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ} (٣) و {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} (٤). ويجوز ظهورُ "أنْ" بعدها، فتقول: "جئتُك لأنّ تُكرِمَني"، و"قصدتُك لأن تزورَني". ولا خلاف بين أصحابنا في صحة استعمال ذلك، ولا أعلمُه جاء في التنزيل، وإنما جاز ظهورُ "أنْ" بعد اللام في الموجب, لأنّ "أنْ" والفعل مصدرٌ، واللام تدخل على المصادر التي هي أغراضُ الفاعلين، وهي قابلةٌ أن يسأل بها عن كل فعل، فيقال: "لِمَ فعلتَ"؟ فتقول: "لكذا"؛ لأنّ لكلّ فاعل غرضًا في فعله، وباللام يُتوصل إلى ذلك، ولذلك كنت مخيَّرًا بين حذفها وإظهارها.

فأمّا مع "لا" النافية، فيجب ظهورُ "أنْ"، ولا يحسن حذفها، كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} (٥). والعلّةُ في ذلك أن هذه اللام هي اللام في قوله: {لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} (٦)، لكنّها في الموجب باشرتْ لفظَ الفعل، وأصلُها أن تدخل على الاسم، إذ


(١) فاطر: ٣٦.
(٢) البقرة: ١١٧.
(٣) الجن: ٢٨.
(٤) نوح:٧.
(٥) الحديد: ٢٩.
(٦) يوسف:٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>