قال صاحب الكتاب: وإذا التقت همزتان في كلمة فالوجه قلب الثانية إلى حرف لين كقولهم آدم وأيمة وأويدم، ومنه جائي وخطايا، وقد سمع أبو زيد من يقول اللهم اغفر لي خطائئي، قال همزها أبو السمح ورداد ابن عمه وهو شاذ، وفي القراءة الكوفية {أئمة}(١).
* * *
قال الشارح: قد تقدّم قولنا بأنّ الهمزة حرفٌ مستثقَلٌ؛ لأنّه بعُد مَخرجُها، إذ كانت نَبْرَةً في الصدر تخرج باجتهادٍ، فثقُل عليهم إخراجُها؛ لأنّه كالتهوع، ولذلك مال أهلُ الحجاز إلى تخفيفها. وإذا كان ذلك في الهمزة الواحدة، فإذا اجتمع همزتان، ازداد الثقلُ، ووجب التخفيفُ. فإذا كانتا في كلمة واحدة، كان الثقل أبلغَ، ووجب إبدالُ الثانية إلى حرف لين، نحو:"آدَمَ"، و"آخَرَ"، و"أَيِمَّةٍ"، و"جاءِ"، و"خَطايا".
فأمّا "آدَمُ"، فأصلُه "أَأْدَمُ " بهمزتَيْن، الأولى همزةُ "أَفْعَلَ"، والثانيةُ فاء الفعل, لأنّه من "الأُدْمة"، وكذلك "آخر"؛ لأنّه من التأخّر، فأبدلوا من الثانية ألفًا محضةً، وذلك لسكونها وانفتاحِ ما قبلها على حدّ فعلهم في "رَأْسِ" و"فَأْسٍ"، ولا تُخفَّف، وإنّما تصير ألفًا كألِف "ضاربٍ"، و"خاتم". وإنّما شبّهناها بالزائدة من حيث لم تكن أصلاً، وعلى ذلك إذا جمعتَه اسمًا، قلتَ:"أوادِمُ" على نحو: "كَواهِلَ"، و"حَوائطَ". فإن أردت الصفة، قلت:"أُدْمٌ ": نحوَ: "حُمْرٍ"، فقَلْبُها واوَا على حدّ "بَوازِلَ"، و"كواهل" دليلٌ على اعتزام رفض أثر الهمزة فيها.
وتقول في التصغير:"أُوَيْدِمُ"، كما تقول:"بُوَيْزِلٌ"، و"كُوَيْهِلٌ" على أنّه ليس في قولهم: "أويدم" دلالةٌ على رفض الهمزة؛ لأنّ الهمزة تُقلب واوًا إذا انفتحت وانضمّ ما قبلها، نحو:"جُوَنٍ"، وإنّما أصحابُنا يذكرون:"أويدم" مع "أوادم" و"أواخر" جمعًا بين التصغير والتكسير وأمّا "أَيمَّةٌ"، فهو في الأصل:"أَئمَّةٌ" على وزن "أَفْعِلةَ", لأنه جمعُ "إمامٍ" كـ"حِمارٍ" و"أحْمِرَةٍ"، فاجتمع في أوّله همزتان: الأولى همزةُ الجمع، والثانيةُ فاء الكلمة، واجتماعُ الهمزتين في كلمة غير مستعمل، فوجب تخفيفُهما. وكان القياس قلبَ الهمزة الثانية ألفًا لسكونها، على حدّ قلبها في "آنِيَةٍ"، و"آزِرَةٍ" جمع "إناءٍ" و"إزارٍ"، لكنّه لمّا وقع بعدها مثلان، وهما الميمان، وأرادوا الادّغام، نقلوا حركة الميم الأولى- وهي
(١) التوبة: ١٢، وغيرها. انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مادة (أمم).