للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فالمراد "ثواء فيه"، إلَّا أنّه حُذف للعلم به. والثواءُ: الإقامةُ، والمرادُ في ثواءِ حَوْلٍ. وأمّا الرابع: وهو بدلُ الغَلَط والنسْيانِ، ومثلُ ذلك لا يكون في القرآن، ولا في شعرٍ. أمّا القرآن، فهو مُنزَّهٌ عن الغلط، وكذلك الشعرُ الفصيحُ, لأنّ الظاهر من حال الشاعر مُعاوَدةُ ما نَظَمَه، فإذا وجد غلطًا أصلحَه.

وإنّما يكون مثلُه في بَدْأةِ الكلام، وما يجيء على سبيلِ سَبْقِ اللسان إلى ما لا يريده، فيُلْغِيه، حتى كأنّه لم يذكُره، وذلك نحوُ: "مررت برجلٍ حِمارٍ"، كأنّك أردت أن تقول: "مررت بحمارٍ"، فسبق لسانُك إلى ذكرِ "الرجل"، فتَداركتَ، وأبدلتَ منه ما تريده. والأولى أن تأتي بـ "بل" للإضراب عن الأوّل.

[فصل [فائدته]]

قال صاحب الكتاب: وهو الذي يعتمد بالحديث, وإنما يذكر لنحو من التوطئة, وليفاد بمجموعهما فضل تأكيدٍ وتبيين, لا يكون في الإفراد. قال سيبويه (١) عقيب ذكره أمثلة البدل: "أراد: رأيت أكثر قومك وثلثي قومك", و"صرفت وجوه أولها", ولكنه ثنى الاسم توكيدًا". وقولهم: "إنه في حكم تنحية الأول" إيذانٌ منهم باستقلاله بنفسه, ومفارقته التأكيد والصفة في كونهما تتمتين لما يتبعانه, لا أن يعنوا إهدار الأول واطراحه. ألا تراك تقول: "زيدٌ رأيت غلامه رجلاً صالحًا", فلو ذهبت تهدر الأول, لم يسد كلامك.

* * *

قال الشارح: الذي عليه الاعتماد من الاسمَيْن أعني البدلَ والمُبْدَلَ منه هو الاسمُ الثاني، وذكرُ الأول تَوْطِئَةً لبيانِ الثاني. يدلّ على ذلك ظهورُ هذا المعنى في بدلِ البعض، وبدلِ الاشتمال. ألا ترى أنّك إذا قلت: "ضربتُ زيدًا رأسَه"، فالضرب إنّما وقع برأسه دون سائره، وكذلك قولُك: "سُرق زيدٌ مالُه"، إنّما المسروقُ المالُ دون زيدٍ.

ولذلك قدّر سيبويه هذا المعنى بقوله عَقِيبَ ذِكْره أمثلةَ البدلِ: "أراد رأيت أكثرَ قومِك، وثُلُثَيْ قومِك، وصرفت وجوهَ أولِها"، كأنّه أراد أنّ المعنى متعلِّقٌ بالثاني حتّى لو تركتَه، ولم تذكره، لألبسَ. ألا ترى أنّك لو قلت: "ضربتُ زيدًا"، وسَكَتَّ، لَظَنَّ المخاطبُ أنّ الضرب وقع بجُمْلته، ولم يختص عُضْوًا منه؟ فعلمتَ بذلك أنّ المعتمَد بالحديث هو الاسمُ الثاني، والأوّلُ بيانٌ، فالبيانُ في البدل مقدَّمٌ، وفي النعت والتأكيدِ مؤخَّرٌ.

واعلم أنّه قد اجتمع في البدل ما افترق في الصفة والتأكيدِ, لأن فيه إيضاحًا


= "ثويته" مفعول مطلق، وهي ضمير الثواء, لأن الجملة صفته، والهاء رابط الصفة، والضمير المقدر رابط للبدل، وهو ثواء، بالمبدل منه وهو حول.
(١) الكتاب ١/ ١٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>