للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالبدل من الفعل، فلمّا كان في تقدير الفعل، جاز إلغاؤُه، كما يلْغَى الفعل إذا توسّط بين المبتدأ والخبر، وكذلك إذا تأخّر، نحوَ قولك: "زيدٌ ذاهبٌ ظّني أو في ظنّي أو ظَنَّا منّي". والإلغاءُ هنا أحسن إذ كان متأخّرًا، كما كان الفعل كذلك، فإن بدأتَ بالمصدر، وقلت: "ظنّي زيدٌ ذاهبٌ اليوم"، كان الإلغاء قبيحًا ممتنعًا، كما كان في الفعل كذلك إذا قلت: "أظُن زيد ذاهبٌ"؛ لأنّ تقديره تقدير الفعل. فإن تقدمه ظرفٌ أو نحوه من الكلام، نحوُ قولك: "متى ظَنّي زيدٌ ذاهبٌ؟ " و"أينَ ظني زيدٌ ذاهبٌ؟ " جاز الإلغاء؛ لأن قبله كلامًا، فصار الفعل كأنه حشوٌ، فإن نصبت الاسمين، وقلت: "متى ظنك زيدًا ذاهبًا؟ " رفعت المصدر على الابتداء، والظرفُ خبره, لأنّ ظروف الزمان تقع أخبارّا عن الأحداث، وقد أعملت المصدر إعمال فعله، وهو أحسن هنا من الإلغاء.

وقوله: "وليس ذلك بسائر الأفعال"، يريد في باقي أخواتِ "ظننت" لا يجوز: "زيد حسباني ذاهبٌ"، وذلك لكثرة استعمال "ظننت"، فاعرفه.

[فصل [تعليقها]]

قال صاحب الكتاب: ومنها إنها تعلق وذلك عند حروف الابتداء والاستفهام والنفي كقولك ظننت لزيد منطلق، وعلمت أزيد عندك أم عمرو وأيهم في الدار, وعلمت ما زيد بمنطلق. ولا يكون التعليق في غيرها.

* * *

قال الشارح: اعلم أن التعليق ضرب من الإلغاء، والفرقُ بينهما أن الإلغاء إبطال عمل العامل لفظًا وتقديرًا، والتعليق إبطال عمله لفظًا لا تقديرًا، فكل تعليق إلغاءٌ، وليس كل إلغاء تعليقًا. ولمّا كان التعليق نوعًا من الإلغاء، لم يجز أن يُعلَّق من الأفعال إلَّا ما جاز إلغاؤُه، وهي أفعال القلب، وهي "علمت" وأخواته.

وإنما تُعلَّق إذا وَلِيَها حروفُ الابتداء، نحوِ الاستفهام وجوابات القَسَم، فيُبْطَل عملها في اللفظ، وتعمل في الموضع، فتقول: "قد علمت أزيدٌ في الدار، أم عمرٌو"، و"علمت إنّ زيدًا لقائمٌ"، و"إخال لَعمرو أخوك"، و"أحْسِبُ لَيقومنّ زيدٌ". قال الله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} (١)، وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (٢).

ومن النحويين من يجعل "ما"، و"لا"، كـ"إنّ" واللام، فيقول: "أظُنُّ ما زيدٌ منطلقٌ"، و"أحسبُ لا يقوم زيدٌ"، فلا يُعْمِل في اللفظ شيئًا، بل يحكم على الموضع


(١) الكهف:١٢.
(٢) المنافقون: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>