للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنصب؛ لأنّ "ما"، و"لا" يجاب بهما في القسم، فتقول: "وَاللهِ ما زيدٌ منطلقٌ، و"تاللهِ لا يقوم زيدٌ".

وإنّما علّقت هذه الأشياءُ العاملَ؛ لأنّ لها صدرَ الكلام، فلو أُعمل ما قبلها فيها أو فيما بعدها، لخرجت عن أن يكون لها صدرُ الكلام؛ وأمّا حروف الجرّ، فيجوز أن تعمل فيها، نحو قولك: بـ"مَن مررت"، و"إلى أيّهم ذهبت"، وذلك من قبل أنّ الجارّ والمجرور بمنزلة الشيء الواحد؛ فأما قوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (١)، فـ "أيّ" هنا منصوبٌ بالفعل بعده، وهو"ينقلبون" لا بـ"سيعلم".

وقوله: "ولا يكون التعليق في غيرها أي: لا يكون إلَّا في الأفعال التي تُلْغَى، نحوِ: "ظننت"، و"علمت"؛ لأنّ التعليق نوع من الإلغاء على ما ذكرنا، فلذلك لا تقول: "لأضربن أيهم قام"؛ لأنه فعلٌ مؤثرٌ لا يجوز إلغاؤه، فلا يجوز تعليقه؛ وأما قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} (٢)، فإن الخليل (٣) كان يحمل ذلك على الحكاية وإضمارِ قولٍ، تقديرُه: لننزعنّ من كلّ شيعة الذي يُقال فيه: "أيّهم أشدّ"، فـ "أيُّهم" هنا عنده استفهامٌ مرفوع بالابتداء رَفعَ إعراب، و {أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} الخبر على حدّ قوله [من الكامل]:

فأبِيتُ لا حَرِجٌ ولا محرومُ (٤)

أي: بالذى يُقال فيه ذلك؛ وأما سيبويه (٥) فكان يذهب إلى أنه اسمٌ موصولٌ بمعنَى "الّذِي"، وقد حذف العائد من صلته، وأصله: "أيّهم هو أشدُّ"، فحذف "هُو" العائد المرفوع، ومثله قراءةُ من قرأ: {تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (٦)، والمراد: الذي هو أحسن، وحين حذف العائد من صلته، أشبه الغاياتِ من نحوِ "قبلُ، و"بعدُ". فإنه لّما حذف منها المضاف إليه، بنيت على الضمّ، كذلك "أيهُم"، لمّا حذف من صلتها العائد الذي هو من تمامها وبه إيضاحُها، صار كحذف المضاف إليه، فبُنيت على الضمّ لذلك، وموضعها نصبٌ بالفعل الذي هو"لننزعن". ومثله "أضربُ أيّهم أفضلُ". أنشد الخليل (٧) [من المتقارب]:

إذا ما أتَيْتَ بني مالِكٍ ... فسَلمْ على أيُّهم أفضلُ (٨)


(١) الشعر اء: ٢٢٧.
(٢) مريم: ٦٩.
(٣) الكتاب ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٤) تقدّم بالرّقم ٤٩١.
(٥) الكتاب ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٦) الأنعام: ١٥٤. وهي قراءة الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٤/ ٢٥٥؛ وتفسير الطبري ١٢/ ٢٣٦؛ وتفسير القرطبي ٧/ ١٤٢؛ والكشاف ٢/ ٤٩؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٣٣٥.
(٧) ليس البيت التالي في كتاب سيبويه.
(٨) تقدم بالرقم ٤٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>