للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمعنى "مَعَ"، لساغ استعمالُها في كلّ موضع بمعنى "مَعَ". وأنت لو قلت: "سرتُ إلى زيد" تريد: مع زيد؛ لم يجز؛ إذ لم يكن معروفًا في الاستعمال، ولذلك قال صاحب الكتاب: "وكونها بمعنى المصاحبة راجع إلى معنى الانتهاء"، فاعرفه.

[فصل [معاني "حتي"]]

قال صاحب الكتاب: و"حتى" في معناها, إلا أنها تفارقها في أن مجرورها يجب أن يكون آخر جزء من الشيء, أو ما يلاقي آخر جزء منه، لأن الفعل المعدى بها الغرض فيه أن يتقضى ما تعلق به شيئاً فشيئاً حتى يأتي عليه، وذلك قولك "أكلت السمكة حتى رأسها" و"نمت البارحة حتى الصباح"، ولا تقول: "حتى نصفها, أو ثلثها", كما تقول: "إلى نصفها, وإلى ثلثها". ومن حقها أن يدخل ما بعدها فيما قبلها, ففي مسألتي "السمكة" و"البارحة", فقد أكل الرأس, ونيم الصباح. ولا تدخل على مضمر, فتقول: "حتاه", كما تقول: "إليه". وتكون عاطفة, ومبتدأ ما بعدهما في نحو قول امريء القيس [من الطويل]:

[سريت بهم حتي تكل مطيهم] ... وحتى الجياد ما يُقدن بأرسان (١)

ويجوز في مسألة "السمكة" الوجوه الثلاثة.

* * *

قال الشارح: اعلم أن "حَتَّى" من عوامل الأسماء الخافضة، وهي حروف كاللام لا تكون إلَّا حرفًا. ومعناها منتهى ابتداء الغاية بمنزلةِ "إلى"؛ ولذلك ذكرها بعدها، إلَّا أنّ "حَتَّى" تُدْخِل الثاني فيما دخل فيه الأول من المعنى، ويكون ما بعدها جزءًا مما قبلها، ينتهي الأمرُ به. فهي إذا خفضتْ، كمعناها إذا نُسق بها. فـ "حتى" تُخالِف "إلى" من هذه الجهة، وذلك قولك: "ضربتُ القومَ حتى زيدٍ"، و"دخلت البلادَ حتى الكوفةِ"، و"أكلت السمكةَ حتى رأسِها" فـ "زيدٌ" مضروبٌ كالقوم، و"الكوفةُ" مدخولة كالبلاد، و"السمكةُ" مأكولة جميعًا، أي: لم أُبْقِ منها شيئًا.

وهذا معنى قوله: ""أكلت السمكة حتى رأسِها"، و"نمتُ البارحةَ حتى الصباحِ" ... قد أُكل الرأس، ونِيمَ الصباحُ". وإنّما وجب أن يكون ما بعدها جزءًا ممّا قبلها من قبل أن معناها أن تستعمل لاختصاصِ ما تقع عليه: إمّا لرِفّعته، أو دَناءتِهِ، كقولك: "ضربت القومَ"، فالقوم عند من تخاطبه معروفون، وفيهم رفيعٌ ودَنِيءٌ. فإذا قلت: "ضربت القومَ حتى زيد"، فلا بد من أن يكون "زيد" إمّا أرفعَهم، أو أدناهم، لتدلّ بذكره أن الضرب قد انتهى إلى الرُّفعاء، أو الوضعاء. فإن لم يكن زيدٌ هذه صفتُه، لم يكن لذكره فائدةٌ، إذ


(١) تقدم بالرقم ٧٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>