للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان قولك: "ضربت القوم" يشتمل على "زيد" وغيره، فلمّا كان ذِكْرُ "زيد" يفيد ما ذكرناه، وجب أن يكون داخلًا في حكم ما قبله، وأن يكون بعضًا ممّا قبله، فيُستدلّ بذكره أن الفعل قد عمّ الجميعَ، ولذلكَ لا تقول: "ضربت الرجالَ حتى النساء"؛ لأن النساء ليست من جنس الرجال، فلا يُتوهّم دخولهنّ مع الرجال. وإنما يذكر بعد "حَتى" ما يشتمل عليه لفظُ الأول. ويجوز أن لا يقع فيه الفعلُ لرفعته أو دناءته، فيُنبَّه بـ "حَتَّى" أنه قد انتهى الأمر إليه.

وربّما استُعملت غايةً، ينتهي الأمر عندها كما تكون "إلى" كذلك، وذلك نحو قولك: "إن فلانًا ليصوم الأيامَ حتى يومِ الفِطْر"، والمراد أنه يصوم الأيام إلى يوم الفطر، ولا يجوز فيه على هذا إلَّا الجرّ؛ لأن معنى العطف قد زال؛ لاستعمالها استعمالَ "إلى"، و"إلى" لا تكون عاطفة، فلا يجوز أن ينتصب "يوم الفطر" لأنه لم يَصُمْهُ، فلا يعمل الفعل فيما لم يفعله، وكذلك إذا خالف الاسم الذي بعدها ما قبلها، نحوَ قولك: "قام القوم حتى الليل"، والتأويل: قام القوم اليومَ حتى الليل، فعلى هذا إذا قلت: "نِمْتُ البارحةَ حتى الصباحِ"، لم يلزمه نومُ الصباح، لأنه ليس من جنسه، ولا جزءًا منه.

قال: ولا تدخل على مضمر، ولا تقول: "حَتّاهُ"، ولا: "حتّاك". قال سيبويه (١): استغنوا عن الإضمار في "حَتَّى" بقولهم: "دَعْهُ حتى ذاك"، وبالإضمار في "إلى"، كقولهم: "دَعْهُ إليه"؛ لأن المعنى واحد. يريد: إلى ذلك. فذَلِكَ اسمٌ مبهمٌ، وإنّما يُذْكَر مثلُ ذلك إذا ظنّ المتكلّمُ أن المخاطَب قد عرف مَن يَعْنِي، كما يكون المضمر كذلك. ولذلك لا يرى سيبويه الإضمار مع كاف التشبيه، ولا مع "مُذْ"، ولا يجيز "كَهُ"، ولا "كِي". قال: استغنوا عن ذلك بـ "مِثْلُهُ"، و"مِثْلِي"، وعن "مُذْهُ"، بـ "مُذْ ذاك". هذا رأي سيبويه، وكان أبو العبّاس المبرّد يرى إضافَةَ ما منع سيبويه إضافتَه إلى المضمر في هذا الباب، ولا يمنع منها، ويقول إذا كان بعد "حَتَّى" منصوبًا: "إيّاه" (٢)، وإذا كان مرفوعًا: "حتى هو"، وإذا كان مجرورًا: "حتّاهُ"، و"حتّاك". ويقول في "منذ ذلك"، إذا كان ما بعدها مرفوعًا: "مُذْ هو" وإذا كان مجرورًا: "مُذهُ"، و"مُذْكَ". والصحيحُ ما ذهب إليه سيبويه لموافَقته كلامَ العرب. وربما جاء في الشعر بعضُ ذلك مضمرًا، نحوَ قوله [من الرجز]:

١٠٦٧ - [خَلَى الذنَابَاتِ شِمَالًا كَثْبَا] ... وأُمُّ أوْعالٍ كَهَا أو أقْرَبَا


(١) الكتاب ٢/ ٣٨٣.
(٢) أي: حتّى إيّاه.
١٠٦٧ - التخريج: الرجز للعجّاج في ملحق ديوانه ٢/ ٢٦٩؛ وجمهرة اللغة ص ٦١؛ وخزانة الأدب ١٠/ ١٩٥، ١٩٦، ٢٠٢؛ وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٩٥؛ وشرح شواهد الشافية ص ٣٤٥؛ والكتاب ٢/ ٣٨٤؛ ومعجم ما استعجم ص ٢١٢؛ والمقاصد النحويَّة ٣/ ٢٥٣؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني ٢/ ٢٨٦؛ وشرح ابن عقيل ص ٣٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>