للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنشده سيبويه للعجّاج، وهو ضرورةٌ.

واعلم أنهم قد اختلفوا في الخافض لِما بعد "حَتَّى" في الغاية (١)، فذهب الخليل وسيبويه إلى أن الخفض بـ "حَتَّى"، وهي عندهما حرف من حروف الجرّ بمنزلة اللام، وذهب الكسائي إلي أن خفضَ ما بعدها بإضمارِ "إلى"؛ لأنها نفسها نص على ذلك في قوله تعالى: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٢)، فقال: إن الخفض بـ "إلى" المضمرِة.

وقال الفراء: "حَتَّى" من عوامل الأفعال مجراها مجرى "كَيْ"، و"أنْ"، وليس عملها لازمًا في الأفعال، ألا تراك تقول: "سرتُ حتى أدخلُها"، و"وقعتُ حتى وصلتُ إلى كذا" فلا تعمل ها هنا شيئًا؟ ثُمَّ لما نابت عن "إلى"، خفضت الأسماءَ لنيابتها وقيامِها مقامَ "إلى". وهو قولٌ واهٍ فيه بُعْدٌ؛ لأنه يؤدّي إلى إبطال معنى "حتّى". وذلك أن بابَ "حَتَّى" في الأسماء أن يكون الاسم الذي بعدها من جملةِ ما قبلها وداخلًا في حكمه ممّا يُستبعد وجوده في العادة، كقولنا: "قاتلتُ السِّباعَ حتى الأُسودِ"، فقتالُه الأسدَ أبعدُ من قتاله لغيره، وكذلك "اجترأ على الناسُ حتى الصبيانِ"؛ لأن اجتراء الصبيان أبعدُ في النفوس من اجتراء غيرهم، ولو جعلنا مكانَ "حَتَّى" "إلى"؛ لَمَا أدَّى هذا المعنى.

فإن قيل: ولِمَ قلتم إِنّ "حَتَّى" هي الخافضة بنفسها؟ قيل: لظهور الخفض بعدها في نحوِ {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٣). ولم تقم الدلالة على تقدير عامل غيرها، فكانت هي العاملة. وممّا يؤيْد ذلك قولُهم: "حَتَّامَ؟ " وأمّا كونها عاطفةَ، فنحو قولك: "قام القوم حتى زيدٌ"، أي: وزيدٌ، و"رأيت القومَ حتى زيدًا"، و"مررت بالقوم حتى زيدٍ"، أجروها في ذلك مجرى الواو.


= اللغة: الذنابات: اسم موضع. شمالًا: ناحية الشمال. كثبًا: قريبًا. أمّ أوعال: اسم هضبة. كها: مثلها.
المعنى: واصفًا حمار وحش هرب جاعلًا الذنابات إلى شماله، وأمّ أوعال مثلها في البعد أو أقرب.
الإعراب: "خلى": فعل ماضٍ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. "الذنابات": مفعول به منصوب بالكسرة لأنّه جمع مؤنث سالم. "شمالًا": ظرف مكان منصوب متعلّق بـ "خلى". "كثبًا": نعت "شمالًا" منصوب. "وأم": الواو: حالية، و"أم": مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف وخبره محذوف. "أوعال": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "كها": جار ومجرور متعلقان بحال من "أمّ أوعال" محذوفة. "أو": حرف عطف."أقربا": معطوف على الضمير المجرور، مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف، والألف: للإطلاق.
وجملة "خلى" ابتدائية لا محل لها من الإعراب، وجملة "أم أوعال ... ": حاليّة محلّها النصب.
والشاهد فيه قوله: "كها" حيث دخلت الكاف على الضمير المتصل "ها" تشبيهًا بـ "مثل"، لأنّها في معنى "مثل". ومن شأن الكاف أن تجرّ الاسم الظاهر والضمير المنفصل، عند بعض النحاة، والذي حصل هنا هو للضرورة.
(١) انظر المسألة الثالثة والثمانين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين" ص ٥٩٧ - ٦٠٢.
(٢) القدر: ٥.
(٣) القدر: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>