للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تؤمنوا" اسمٌ، و"تجارة" اسمٌ، والاسم يُبْدَل من الاسم، ويقع موقعه. وقوله: "تؤمنون" كلام تامّ قائم بنفسه، وفيه دلالةٌ على المعنى المراد، فمن حيث كان تفسيًرا للتجارة، فهو من جملةِ ما وقع عليه الاستفهامُ بـ"هل"، والاعتمادُ في الجواب على "هل"، و"هل" في معنى الأمر, لأنه لم يقصد إلى الاستفهام عن الدلالة على التجارة المُنْجِية: هل يدلّون، أو لا يدلّون عليها، وإنما المراد الأمر والدعاء والحثّ على ما يُنْجِيهم. ومثله قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (١)، فإن المراد: انتهوا، لا نفس الاستفهام.

وأمّا التمني، فقولك: "ليت زيدًا عندنا يُحَدِّثْنا"، فـ "يحدّثْنا" جزمٌ لأنه جواب، والتقدير: إِن يكن عندنا. ومنه قولهم: "ألا ماءً أشْرَبْه"، فهذا أيضًا معناه التمنّي، وهي "لا" النافية دخلت عليها همزة الاستفهام، وقد عملت في النكرة، فأحدث دخولُها معنى التمنّي، فـ "لا" مع ما بعدها في موضع نصب بما دل عليه "ألا" من معنى التمني.

وقال أبو العبّاس المبّرد: هو على ما كان، ويُحْكَم على موضعه بالرفع على الابتداء، وثمرةُ الخلاف تظهر في الصفة، فتقول على مذهب سيبويه: "ألا ماءَ بارداً" بنصب الصفة, لأن موضعها نصبٌ، وأبو العباس يرفع النعت، ويقول: "ألا ماء باردٌ"، وإذا كان قد حدث بدخول همزة الاستفهام معنى التمنّي، جاز أن يجاب بالجزم، فيقال: أشْرَبه، كما لو صرّحت بالتمنّي، وقلت: "ليت لي ماءً أشربْه".

وأمّا العرض، فقولك: "ألا تنزل عندنا تُصِبْ خيرًا فقولك: "ألا تنزل" هو العرض، يقول الرجل للآخر: "ألا تفعل كذا وكذا" يَعرِضه عليه، و"تصب خيرًا" جوابه، وهو داخل في جواب الاستفهام، إلا أنّه لمّا كان القصد فيه إلى العرض، وإن كان لفظه استفهامًا، سمّاه عرضًا، وتقديره: إن تنزل عندنا تصب خيرًا. وهذه الأشياء إنما أضمر حرف الشرط بعدها, لأنها تُغْنِي عن ذكره، وتكتفي بذكرها عن ذكره؛ إذ كانت غير واجبة، وصار الثاني مضمونَ الوجود إذا وُجد الأوّل. فلذلك قال الخليل (٢): هذه الأوائل كلّها فيها معنى "إنْ"، ولذلك انجزم الجواب.

[فصل [الجزم بما فيه معنى الأمر والنهي]]

قال صاحب الكتاب: وما فيه معنى الأمر والنهي بمنزلتهما في ذلك, تقول: "اتقي الله امرؤ وفعل خيراً يثب عليه"، معناه ليتق الله وليفعل خيراً, وحسبك ينم الناس.

* * *


(١) المائدة: ٩١.
(٢) الكتاب ٣/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>