للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موضعه، كذلك ها هنا. ويكون الاعتمادُ في النفي على "لا" الأوُلى، وتكون "لا" الثانيةُ زائدة مؤكّدة للنفي. قال الشاعر [من السريع]:

لا نَسَبَ اليومَ ولا خُلَّةً ... اتَّسعَ الخَرْقُ على الراقِعِ (١)

ولك أن تفتح الأوّل وترفع الثاني، فتقول: "لا حول ولا قوّة إلَّا بالله". فتعطف الثاني على موضع "لا" واسمِها, لأنّهما في موضع رفع بالابتداء. ونظيرُ ذلك "كلّ رجلٍ ظريفٌ في الدار"، إن شئت خفضتَ "ظريفًا" على النعت لِـ "رجلٍ"، وإن شئت رفعتَه على النعت لِـ "كلّ". فكذلك "لا رجلَ، ولا غلامَ لك"، إن شئت حملتَ على المنفيّ، وإن شئت حملت على موضع النافي والمنفيّ، فيكون الثاني أيضًا مبتدأً, لأنّ ما عُطف على المبتدأ مبتدأٌ، وجاز أن يكون الخبرُ عنهما واحدًا، لأنّه ظرفٌ، وتكون "لا" الثانيةُ زائدة للتأكيد، والاعتمادُ في النفي على "لا" الأوُلى. ويجوز أن تجعل "لا" الثانيةَ بمعنى "لَيْسَ" وتُقدّر لها خبرًا منصوبًا, ولك أن ترفعهما جميعًا، فتقول: "لا حولٌ، ولا قوّةٌ إلَّا بالله". وقد قُرىء {لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} (٢). قال الشاعر [من البسيط]:

وما هجرتُكِ حتّى قلتِ مُعْلِنَةً ... لا ناقةٌ لِيَ في هذا ولا جَمَلُ (٣)

فيجوز أن يكون "لَا"، في هذا الوجه بمعنى "ليس" ترفع الاسم وتنصب الخبرَ، ويكون الظرفُ في موضع خبر منصوبٍ. ويجوز أن تكون نافيةً، وما بعدها مبتدأٌ، ويكون الظرفُ في موضعِ خبر مرفوع، ولكَ أن ترفع الأوّل، وتفتح الثاني, فتقول: "لا حولٌ، ولا قوَّة إلَّا باللهِ"، ويكون رفعُ الأوّل على أن تكون "لا" بمعني "ليس" ترفع الاسم، وتنصب الخبر، ويجوز أن تكون "لا" النافية، وما بعدها مبتدأٌ. وجاز ذلك غير مكرَّر على رأي أبي العبّاس، وهو المذهبُ الضعيفُ عند سيبويه. وحسّن ذلك وقوعُ "لا" الثانيةِ بعدها، وإن كان المرادُ بها الاستئنافَ، ولا الثانيةُ المشبَّهةُ بـ "إنَّ"، ولذلك ركّبتَ معها، وبنيتَ، فهذه خمسةُ أوجهٍ من جهةِ اللفظ، وهي ستّةُ أوجه من حيثُ التقديرُ، وجَعْلُ "لا" بمعنى "ليس". فاعرفه.

[فصل [حذف اسمها]]

قال صاحب الكتاب: "وقد حذف المنفي في قولهم: "لا عليك", أي: لا بأس عليك".

* * *


(١) تقدم بالرقم ٣٢١.
(٢) إبراهيم: ٣١.
(٣) تقدّم بالرقم ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>