للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كـ "قالت"، و"قامتْ". وقال الخليل (١): إنه ما كان من هذا لونًا، أو عيبًا فقد ضارَع الأسماء، وصار خِلْقة كاليَد والرِّجْل ونحوهما، فلا تقول فيه: "ما أفعله"، كما لم تقل: "ما أيْدَاهُ! "، و"ما أرْجَلَهُ! ".

فإن قيل: فقد جاء في الكتاب العزيز: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (٢)؟ قيل: يحتمل ذلك أمرَيْن أحدهما: أن يكون من عَمَى القلب، وإليه يُنْسَب أكثرُ الضلال. والثاني: أن يكون من عمى العين ولا يُراد به التفضيل، وَلكنّه أعمى كما كان في الدنيا كذلك، وهو في الآخرة أضلّ سبيلًا.

فإذا أريد التعجّبُ من شيء من ذلك، فحكمُه في التعجّب أن تبنى "أفْعَلَ" من الكثرة، أو القلّة، أو الشدّة، أو نحوِ ذلك، ثمّ تُوقِع الفعل على مصادر هذه الأفعال، كقولك: "ما أكثرَ دَحْرَجَةَ زيد! " و"ما أشَد حُمْرَةَ عمرو! " و"ما أقل حَوَلَه! " وإنما بُنيت "أفعل" من هذه الأشياء خاصّةً من أجلِ أن المتعجَّب منه لا يخلو من كثرة، أو قلّة، أو شدّة خارجةِ عمّا عليه العادةُ، ولذلك وجب التعجّب، فتكون هذه الأشياء ونحوها عبارةً عما لا يمكن التعجّبُ منه من الأفعال، إذ كانت الأفعال كلها غير منفكّة من هذه المعاني، كما عُبّر بـ "كَانَ" عن الأحداث كلّها.

[فصل [معني أسلوبي التعجب]]

قال صاحب الكتاب: ومعنى "ما أكرم زيداً! ": شيء جعله كريماً، كقولك: "أمرٌ أقعده عن الخروج", و"مهم أشخصه عن مكانه" تُريد أن قعوده وشخوصه لم يكونا إلا لأمر, إلا أن هذا النقل من كل فعل؛ خلا ما استُثنى منه مختص بباب التعجب, وفي لسانهم أن يجعلوا لبعض الأبواب شأناً ليس لغيره لمعنى.

* * *

قال الشارح: معنى "ما أكرم زيدًا": "شيءٌ جعله كريمًا"، فـ "مَا" ها هنا بمعنى شَيْء، وهو اسمٌ منكورٌ في موضعِ رفع بالابتداء، وقد تقدّم الكلام على "ما" والخلافِ فيها بما فيه مقنعٌ. والمراد ها هنا إبداء النظير لجواز الابتداء بالنكرة، وإنما جاز الابتداء هنا لأنه في تقدير النفي، وذلك أن المعنى في قولك: "ما أحسن زيدًا! " شيء جعله حسنًا. والمراد: ما جعله حسنًا إلَّا شيءٌ، كما قالوا: "شَرٌّ أَهَرَّ ذا نابٍ" (٣)، أي: ما أهرّه إلَّا شرٌّ. ومنه


(١) الكتاب ٤/ ٩٨.
(٢) الإسراء: ٧٢.
(٣) هذا القول من اْمثال العرب، وقد ورد في خزانة الأدب ٤/ ٤٦٩، ٩/ ٢٦٢؛ وزهر الأكم ٣/ ٢٢٩؛ ولسان العرب ٥/ ٢٦١ (هرر)؛ ومجمع الأمثال ١/ ٣٧٠؛ والمستقصى ٢/ ١٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>