للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجملة الأمران الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجّب على ضربَيْن: أحدهما: ما زاد سواءٌ كانت الزيادةُ على الثلاثة أصلًا، أو غير أصل، والآخرُ الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب؛ لأن فعلها زائد على الثلاثة أصلًا، وغيرَ أصل. فلو زِدْتَ عليه همزة التعدّي، لخرج عن بناءِ "أفْعَلَ". وقد قالوا: "ما أعطاه الدرهمَ، وأوْلاه للخير! " فهذا ونحوه مقصور على السماع عند سيبويه لا يُجيز منه إلَّا ما تكلّمت به العربُ. فالتعجّبُ مِن "فَعَلَ" قياسٌ مطردٌ، ومن "أفْعَلَ" مسموعٌ لا يُجاوز ما ورد عن العرب. وزعم الأخفش: أن ذلك في في فعل ثلاثي دخلته زوائدُ كـ "استفعل"، و"افعل"، و"انفعل"؛ لأن أصلها ثلاثة أحرف، وقاسَه على "ما أعطاه"، و"ما أولاه" كأنه يحذف الزوائد، ويردّه على الثلاثة. وتابَعَه أبو العبّاس المبرد على ذلك، وأجازه. وذلك ضعيف؛ لأن العرب لم تقل: "ما أعطاه" إلَّا والفعل للمُعْطِي؛ لأنه منقول من "عَطَوْتُ"، و"عطوت" للآخِذ. قال امرؤ القيس [من الطويل]:

وَتَعْطُو برَخْصٍ غيرِ شَثْنٍ كأنّه ... أساريعُ ظَبْيٍ أو مَساوِيكُ إسْحِلِ (١)

وكذلك: "ما أوْلاه! " إنما هو للمُولِي لا لمن وَلِيَ شيئًا. وإنما ساغ ذلك في "أفعل" عند سيبويه دون غيره من الأبنية المَزيد فيها، لأن "أفعل" أمرُه ظاهرٌ، فلولا ظهور المعنى وعدم اللبس، لَمَا ساغ التعجّب منه. وأمّا غيره من الأفعال المزيد فيها من نحو "اقتطع"، و"انقطع"، و"استقطع"، فلو تعجّبنا بشيء منها بحذف الزيادة، لم يُعْلَم أيَّ المعاني نريد. وكذلك لو وقع التعجّبُ من "اضطرب"، وقيل: "ما أضْرَبَهُ! " لم يعلم: أضاربٌ هو أم مضطرِبٌ في نفسه.

وأمّا الألوان والعيوب فنحوُ الأبيض والأصفر والأحول والأحور، فلا يُقال: "ما أبْيَضَ هذا الطائرَ! " ولا "ما أصفره! " إذا أُريد البياض والصُّفْرة، فإن أُريد كثرة البَيْض والصَّفِير، جاز. وكذلك لا تقول: "ما أسْوَدَ فلانًا! " من "السواد" الذي هو اللون، فإن أردت السُّود جاز. وكذلك "ما أحمره" إِن أردت الحُمْرة، لم يجز، وإن أردت البَلادة، جاز. وذلك لأن أفعالها تزيد على الثلاثة من نحو: "ابْيَضَّ"، و"اصفرّ"، و"احمرّ"، و"اسودّ"، و" ابيَاضَّ"، و"اصفارَّ"، و"احمارَّ"، و"اسوادّ". وكذلك العيوب الخَلْقية، لا يُقال في شيءٍ منها: "ما أعْوَرَهُ! " ولا "ما أحْوَلَهُ! " لِما ذكرناه من أن أفعالها زائدةٌ على الثلاثة، فهي كالألوان، نحوُ: "اعورّ"، و"احولّ"، و"اعوارّ"، و"احوالّ".

فإن قيل: فقد يُقال: "عَوِرَ"، و"حَوِلَ"، فقُلْ على هذا: "ما أحْوَلَهُ! " و"ما أعوره! " فالجواب أن هذا غير جائز؛ لأنه منقول "افْعَلَّ". والدليلُ على أنه منقول منه صحةُ عينه، إذ لو كان أصلًا غير منقول من غيره، لاعتلّت عينه، فكنت تقول: "عارتْ"، و"حالتْ"،


(١) تقدم بالرقم ٩٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>